5 أخطاء قاتلة أودت بحياة 100 ألف بريطاني.. وغياب القيادة بالمقدمة

ترجمة- الرُّؤية

مع دخول بريطانيا "مرحلة مُظلمة" من وباء كورونا "كوفيد-19" وارتفاع عدد حالات الوفاة الناجمة عن الإصابة بالمرض، لأكثر من 100 ألف، وسط تقديرات رسمية بأنَّ العدد الحقيقي يتجاوز 120 ألفاً، ترى البروفيسورة ديفي ساريدهار رئيسة الصحة العامة العالمية بجامعة إدنبرة الأسكتلندية بالمملكة المتحدة، أن الحكومة البريطانية كان بإمكانها تفادي هذا العدد الهائل من الوفيات، من خلال 5 طرق، وفق ما نشرته في مقال بصحيفة ذا جارديان البريطانية.

وكان بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني قد صرح بأنَّ حكومته فعلت كل ما في وسعها للحد من أعداد الوفيات، غير أن ساريدهار تعتقد أن هذه الأوراح كان بالإمكان إنقاذها. فبينما وصل عدد الوفيات في المملكة المتحدة إلى مئات الآلاف، سجلت نيوزيلندا 25 حالة وفاة فقط من كوفيد-19 حتى الآن، وسجلت تايوان سبع حالات، وأبلغت أستراليا عن 909 حالات، وفي فنلندا 655 حالة وفاة، والنرويج 550 حالة وفاة، وسنغافورة 29 حالة وفاة فقط. وقالت إن هذه البلدان عادت إلى حد كبير إلى الحياة اليومية العادية.

ورصدت ساريدهار 3 تحديات كبيرة واجهتها المملكة المتحدة في في العام الأول من الوباء. وقالت إنه لم يكن لدى الحكومة البريطانية  استراتيجية طويلة الأمد لقمع الفيروس بما يتجاوز دورة الإغلاق المستمرة. وحتى الآن ما زال البريطانيون لا يعرفون خطط الحكومة للأشهر الستة المقبلة. وأشارت إلى أنه في الأيام الأولى للوباء، تعاملت المملكة المتحدة مع أزمة كوفيد-19 تماما كما تتعامل مع مرض الأنفلونزا. وأوقفت الحكومة الفحوصات، وبدا أن الخطة الأولية تتمثل في السماح للفيروس بالتفشي دون رادع بين السكان، تطبيقا لنهج "مناعة القطيع". وأخيرًا، رحج مجلس الوزراء كفة الاقتصاد على حساب الصحة العامة، بدلاً من إدراك حقيقة أن صحة الاقتصاد تعتمد على صحة السكان.

لكن أين بالضبط أخطأت بريطانيا؟

الخطأ الأول، تقول ساريدهار، إنه لم يكن لدى المملكة المتحدة سياسات حدودية مطبقة منذ شهور، وعند تقديمها، كانت هذه السياسات متساهلة وغير خاضعة للرقابة، فالحدود هي خط الدفاع الأول ضد مسببات الأمراض الجديدة وطريقة القبض على الفيروسات والعدوى الجديدة قبل أن تتاح لها فرصة التفشي في المجتمع. فقد نفذت البلدان التي تمكنت من احتواء كوفيد-19 بشكل فعال فحوصات للقادمين عبر مختلف المنافذ وفرضت عليهم حجرا صحيا لمدة 14 يومًا. حتى إن بعض الدول قيد السفر لمواطنيه. وفي مارس، عندما أُغلقت المملكة المتحدة، صدرت تعليمات للأشخاص بالبقاء في منازلهم، بينما كان بالإمكان لأي مسافر من أي بلد الوصول إلى مطار هيثرو والوصول مباشرة إلى لندن دون إجراء فحص كورونا. وفي الصيف، كانت البلاد قادرة على منع العدوى مستقبلا، لكن بدلاً من ذلك، شجعت المملكة المتحدة العطلات في الخارج عبر "ممرات السفر" التي ساهمت في تفشي الموجة الثانية. ومن ثم تسببت العطلات الصيفية في فرض الإغلاق الشتوي الأخير.

ثاني الأخطاء القاتلة يتمثل في ردة فعل المملكة المتحدة في 12 مارس، عندما اتخذت الحكومة قرارًا مميتًا بإيقاف الفحوص المجتمعية، بينما تسهم هذه الفحوص بقوة في السيطرة على الفيروس. ومع استئناف الفحوص لاحقًا، استعانت الحكومة بشركات خارجية لإجراء الفحوص والتتبع بدلاً من استخدام قدرات الصحة العامة المحلية.

وكانت إجراءات العزل العام- وهي ركن أساسي في خطط الفحص والتتبع والعزل- مجرد فكرة متأخرة، ولم يحظ الأشخاص الذين سيكافحون للتوقف عن العمل لمدة 14 يومًا على الدعم المأمول سواء من حيث تعويضات الأجور أو منحهم إجازات مرضية. وعلى النقيض من ذلك، تقدم فنلندا والنرويج 100% و80% على التوالي، من الأجر الشهري للخاضعين للعزل الذاتي. ونتيجة لذلك، انتهى الأمر في المملكة المتحدة إلى أنَّ العديد ممن ثبتت إصابتهم بالفيروس ذهبوا إلى مقار عملهم وتسببوا في إصابة الآخرين بالعدوى.

الخطأ الثالث، أن الحكومة البريطانية اتخذت قرارًا ضارًا في مارس عندما أخرت الإغلاق الأول. فعلى الرغم من أن معدل الإصابات والوفيات خرج عن السيطرة بالفعل، بدا أن مجلس الوزراء يعتقد أن تأخير القيود سيجعلها أقل إيلامًا، خوفًا من ظهور "التعب السلوكي". ومع ذلك، فإن العكس هو الصحيح. فإذا كان الإغلاق ضروريًا، فمن الأفضل القيام بذلك في وقت مبكر بحيث يمكن رفع القيود بسرعة أكبر على الجانب الآخر. ويبدو أن ويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية قد تعلمت هذا الدرس، على عكس إنجلترا التي أخرت القيود مرة أخرى في سبتمبر ثم في ديسمبر عندما كان من الواضح أن المعدلات بدأت في الارتفاع.

أما الخطأ الرابع فتمثل في الافتقار إلى معدات الحماية الشخصية المناسبة للعديد من العاملين الصحيين والاجتماعيين الذين كافحوا خلال أول إغلاق وطني في ربيع 2020. وفي بداية الوباء، كان العاملون الصحيون حراس المرمى غير المحميين في ملعب الفيروس؛ حيث تعاملوا مع زيادة هائلة من المرضى دون الضمانات اللازمة، وأسفر ذلك عن وفاة 883 من العاملين في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية بسبب كوفيد-19 حتى الآن.

وأبرز ساريدهار الخطأ الخامس، وهو أنَّ المملكة المتحدة كانت تفتقر باستمرار إلى كل القيادة الواضحة والأهداف، وهما أمران حيويان لمواجهة أي جائحة. فبدلاً من تحلي القيادة بروح الزعامة، خضعت الحكومة للرأي العام واستطلاعات الرأي، فقد أمضت إنجلترا شهورًا في مُناقشة ما إذا كانت الكمامات مهمة أما لا؟! وأسابيع لمناقشة ما إذا كان كوفيد-19 مرضاً خطيرًا بالفعل أم مجرد إنفلونزا سيئة؟!

وتشدد ساريدهار على أنه يجب أن تعمل بريطانيا على الخروج من هذه الأزمة، وألا يتكرر شتاء مثل الشتاء الحالي مرة أخرى، وذلك لن يتأتى سوى من خلال خطة استراتيجية ملموسة للتأكد من أن بريطانيا لن تواجه موجة ثالثة وإغلاقاً رابعاً، عبر كبح جماح العدوى والتوسع في الفحوص والتتبع والعزل، ودعم المتضررين، مع محاولة إعادة فتح المدارس وأكبر قدر ممكن من الاقتصاد المحلي. واختتمت ساريدها مقالتها بالقول: "دعونا نتعلم دروس العام الماضي، ولا ننتظر 50000 حالة وفاة أخرى حتى نتحرك".

تعليق عبر الفيس بوك