حينما يغيب الهدف الأساس

د. رضية بنت سليمان الحبسية

يحدث أحيانًا أنْ نقف موقف حيرة من إصدار حكم على شخص، حالة، أو ظرف؛ نظرًا لتباين حيثيات ومعطيات كل موقف. إلّا أنَّ الهول كل الهول في حال الاصطدام بين الفهم ونقيضه. فتتبلَّد العقول في استيعاب النقيض، واحتواء مصدره. فلا تكمن المشكلة في تفسير المواقف بحد ذاتها، بقدر فهم المصطلحات كأداة لتأويل مجريات وأثر الموقف بعينه.

ففي هذه الحالات والمواقف، التي ينشغل فيها بعض الناس بجوانب ثانوية، يغيب معها الهدف الأساس، ويثير الرأي العام لأمور تقل أهمية بشتى المقاييس عن القضية الأصلية. فيُصاب المستهدفون، المراقبون والفاعلون بخيبة أمل، تتمثل في ضياع الجهود وفقدان المصداقية في الشراكة، أو الجديَّة في التّعامل مع القضايا الوطنيّة أو المصيريّة.

كثيرًا ما تمر علينا خطابات وتصريحات، من قادة ومسؤولين تُعدّ بمثابة فرصة لتعلم شيء جديد. وكانت خطابات صاحب الجلالة قابوس بن سعيد -طيَّب الله ثراه- أنموذجًا طيّبًا. ففي مصطلح "الباحثين عن عمل"، بديلًا لمصطلح العاطلين عن عمل، تعلمنا منه أنها محطة يمر بها الفرد حتى حصوله على فرصة عمل، وليس حكمًا نهائيًّا لمحطة جامدة، تتجمَّد معها إمكانات وقدرات الفرد، أو نعتًا لعدم أي جدوى تُذكر من كينونة ذلك الكائن البشري. وتأسيسًا على ذلك تغيّرت النظرة المجتمعيّة والفرديّة للباحثين عن عمل، مما انعكس ذلك إيجابًا على الجوانب النفسيّة للباحثين عن عمل أنفسهم.

وينسحبُ ذلك على مصطلح "الأنواء المناخيّة"، إذ علَّمنا قائدنا -رحمه الله- أنَّ الأعاصير المداريّة ما هي إلا حالة من العواصف والأعاصير المداريّة التي يتغيّر فيها المناخ. وفي أصل تسمية العواصف بمسميات معينة؛ تقليلًا لاحتمالات الخطأ مقارنةً بأساليب التعريف المعقدة القائمة على خطوط الطول والعرض. إذ تُغيَّر بحسب ما تقترح المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا (NMHSs) التابعة لأعضاء المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) في منطقة محددة قائمة الأسماء، وتوافق عليها الهيئات الإقليمية المعنية بالأعاصير المدارية إبان دورتها السنوية أو نصف السنوية. وفي ذلك التصويب من جلالته -تغمده الله بواسع رحمته- انعكاسات إيجابية ساعدت الناس على تلقي وتبادل معلومات الإعصار "جونو" وما تلاه من أعاصير مدارية في السلطنة، من مصادره الرسمية كالمحطات التليفزيونيّة والإذاعيّة؛ وبالتالي البقاء آمنين إلى حد كبير.

وسأعرِّج في مقالتي هذه، على مؤتمر وزارة العمل مؤخرًا الذي عُقد يوم الأربعاء الموافق 27 يناير 2021م. فبقدر أهمية وترقب العامة، والمؤسسات الأخرى ذات العلاقة، لما سيتضمنه بيان الوزارة؛ نظرا للأهمية القصوى لقضية محليَّة في غاية الحساسية، وفي مرحلة مهمة من مراحل النهضة المتجددة لعُمان المستقبل. إذ استوقف البعض مصطلح "حزب الكنبة" وهو من المصطلحات السياسيّة المستحدثة في دول العالم كافة، خاصة خلال فترات العمليات الانتخابيّة.

 فهو عند البعض مصطلح يعبِّر عن الأغلبية الصامتة، من الفئة العازفة عن السياسة بأشكالها كافّة. ومنهم من يحصرها في قطاع من الشعب يتجاهل كل نداءات الانخراط في الأحزاب أو المشاركة في الحياة السياسية. كما اتخذ المصطلح من قبل البعض مفهومًا إجرائيًّا آخر، ليشير إلى فئة من العاملين في قطاع ما، مِمَّن يقضون ساعات العمل بلا فاعلية وفق الأداء المأمول، بحسب طبيعة الأعمال. أو يتَّسمون بانعدام أو قلة المشاركة في تطوير الأداء المؤسسي، مقارنة بفئات أخرى تتباين قوَّة وعُمق مشاركاتهم المهنيّة أو الوظيفيّة.

وعلى اختلاف التحديد الإجرائي للمصطلح الأخير المذكور أعلاه، إلّا أنّ الغالبية يتفقون في إطلاقه على فئة من الناس ممن يتَّسِمون بالسلبيّة من حيث المشاركة الجماعيّة، وينأون بآرائهم أو جهودهم عن التفاعلات المجتمعيّة، أو الرأي العام المشترك، على اختلاف أدوات المشاركة الفعليّة. وبغض النظر عن رضا البعض عن جوهر المصطلح، وما يشير إليه من سمة أو خاصية، تُمثل وسمًا عُرف به بعض العاملين، سواء بإرادة ذاتيّة أو ردود أفعال سلبيّة لمواقف وظيفيّة، أو أنماط إداريّة أوتوقراطيّة أو غوغائيّة. فإنها ظاهرة ملموسة في شتى التّجمعات الإنسانيّة.

إنَّ ما جرى عقب المؤتمر الصحفي أشبه ما يكون قضية بلا قضية، من مناورات واختلاف الرؤى بين بعض من فئات المجتمع حول مصطلح "حزب الكنبة". وهو أشبَه ما يكون بما تلجأ إليه بعض الجهات أو الأحزاب السياسية على مستوى العالم، لسياسة تشتيت الأنظار وتوجيهها بحسب مخططاتها أو تنفيذًا لسيناريوهاتها المستقبليّة. إما للتّغطية على ممارساتها غير المقبولة، أو توجيه اهتمام الناس نحو قضيّة بعيدة عن القضيّة الأساسيّة. وفي ذلك من الدهاء السياسيّ ما هو معروف في عالم السياسة أو الحروب الباردة؛ للنيل من الخصوم والانتصار المرسوم.

والمتمعِّن لما تمَّ عرضه في ذلك المؤتمر الصحفي من خطة تنفيذية لوزارة العمل للعام 2021م، والذي عُنون بـ"التوطين يعزز الاستثمار"، فقد اشتملت الخطة على العديد من المحاور التي حوت بين طياتها تفاصيل كثيرة لخطط مستقبلية طموحة، والتي كان من الأحرى أن تأخذ حقها من الدراسة والنّقاش والجدل -إنْ وُجد- بين المراقبين؛ استكمالًا لقضية شغلت الرأي العام، فترة ليست بالقصيرة؛ تجويدًا لما تم استعراضه، وشراكة حقيقية معززة بالحوكمة الرشيدة؛ عملًا بالأولوية التي اشتملت عليها رؤية "عُمان 2040"، والتي تنصُّ على: "حوكمة الجهاز الإداري للدولة والموارد والمشاريع" وتحقيقًا للتوجه الإستراتيجي القاضي بـ"جهاز إداري مرن مبتكر وصانع للمستقبل قائم على مبادئ الحوكمة الرشيدة".

تعليق عبر الفيس بوك