السياسة.. وملك الحيرة!

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

"يمكن تدمير الرجل، لكن لا يُمكن هزيمته" إرنست همنجواي.

 

قد يكون في كل حقبة حاكمة قائد فذ فارق في الإنجاز، لأن التاريخ لايجامل إنما يذكر ويخلد الشخصية بحجم الإنجاز، آلاف بل ملايين القادة مروا على صفحات التاريخ مرور الكرام، لا إنجاز يذكر ولابصمة ولاحتى سطر يستحق الكتابة، إنما هناك من لاتزال سيرته تشغل البحاثة، وتملأ الكتب، ومن القصص الملفتة في تاريخ العرب قبل الإسلام ما ذكر عن النعمان بن المنذر ملك الحيرة في عصر ما قبل الإسلام، والقصة الغريبة، قصة يوم السعد ويوم البؤس!

يحكى أن النعمان بن منذر كان له يومين يوم للسعد أو السعادة من يأتِ إليه في هذا اليوم يكرمه فيه، أما اليوم الآخر وهو يوم البؤس فمن يضعه حظه العاثر أمامه يقتله، بطبيعة الحال يبقى الأمر بحسب ماذكره المؤرخون، إنما هل هذه الأمور صحيحة مائة بالمائة أم لا، الله أعلم، فأنا أحدثك عن أحداث وضعت أوزارها ما قبل الإسلام، إنما لوحللنا هذا الأمر على أعتبار صحة الرواية (الرواية مذكورة في غالبية المصادر التاريخية وشبه إجماع على صحتها) فما الذي يدع ملكاً مرموقاً من ملوك العرب أن يقوم بمثل هذه الأفعال وافتعال يوم للسعادة ويوم للبؤس أو التعاسة أو كما أسماه عدد من المؤرخين يوماً للنحس!

صحيح الوقت كان في زمان الجاهلية ما قبل الإسلام، لكن ماذكر هو حيثيات تتعلق بأخلاقيات حاكم له مكانته وملك شهير وقتذاك، هل نتصور أن هذا الاعتقاد موروث، أم أنه بناء على حادثة ما، أم هي خزعبلات صدقها واستمرأها الملك، أم نصيحة من أحد أفراد حاشيته، احتمالات وتساؤلات تبدأ ولاتنتهي، غير أنَّ الرواية ذاتها قد تنسفها حقائق أوتحليلات أخرى!

أحدثك في العام الواحد والعشرين بعد الألفين ميلادية، وفي زمن يفترض أن يكون التطور قد وصل مداه في كل النواحي، فلنترك ملك المناذرة على جنب، ونتفكر في ماحدث في بلاد العم سام ومُمارسات الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، وسلوكياته وماجرى من أحداث بخصوص اقتحام الكونغرس من مناصريه والتفاصيل التي أذهلت المشاهدين من كافة أنحاء العالم، وكيف أن الديمقراطية التي يضرب بها المثل هكذا يصل وضعها.

بالطبع في النهاية لا يصح إلا الصحيح، عادت الأمور لمجراها الطبيعي، ولمعقوليتها المعهودة، إنما بعد أحداث غير معتادة، وحكايات غير متوقع حدوثها في بلاد تتنفس الديمقراطية، بلاد تعتبر دولة مؤسسات حقيقية، إنما كما يبدو أن لكل جواد كبوة، وهنا أتوقف عند ترامب الذي خسر وهو التاجر الناجح أرصدته السياسية واحداً تلو الآخر، في طريقة لا يتصور عاقل أن يقوم بها من يتبوأ منصباً يعتبره الكثيرون منصب أقوى رجل بالعالم!

مثلما بدأ ترامب ولايته بمفاجأة ونجاح كبير على الشقراء هيلاري كلينتون وكانت أيام السعادة الترامبية حتى انقلب الوضع في آخر أيام ولايته التي ودعها وكأنه يعيش أيام البؤس بنجاح ساحق لخصمه اللدود جو بايدن، في مباراة ديمقراطية لم يحضر بها الخاسر حفل تتويج خصمه الفائز.

ما بين يوم السعد ويوم البؤس تشابهات في الفكرة وليس بالفكر، ومقارنات تبدأ ولاتنتهي، مات النعمان في حبس كسرى واختلفت الروايات حول طريقة الموت، وإن كان الشاعر ابن نباتة السعدي قد حسمها ببيته الشهير:

من لم يمت بالسيف.. مات بغيره

تعددت الأسباب.. والموت واحد

أما ترامب هو الآخر فقد توفي سياسيا، وخرج بشكل تراجيدي وبنتيجة قد تقنع الحداد الذي يقص الحديد في إحدى مناطق ولاية ماريلاند، ولكن لم تقنع الرئيس السابق الذي ما يزال يتأوه من ألم الهزيمة الديمقراطية وهوفي منزله بفلوريدا!