أهمية "ولاية العهد" في العصر العباسي الأول

 

يوسف عوض العازمي

‏alzmi1969@

 

"وصايا الخُلفاء العباسيين لولاة عهدهم كانت لها قيمة سياسية ودينية، وكان لرجال الحاشية والبلاط دور كبير في قضية ولاية العهد، وقد تنامى دورهم أكثر فأكثر كلما كانت شخصية الخليفة يسهل التأثير عليها".. د. أحلام الجهورية.

 

قرأت مُؤخراً كتاب "ولاية العهد في العصر العباسي الأوَّل" من تأليف الدكتورة أحلام الجهورية؛ الباحثة والمُؤرخة العُمانية، والكتاب عبارة عن رسالة ماجستير قدمت في جامعة السُّلطان قابوس، الكتاب كشكل مناسب ومعقول، والغلاف مميز ومن الوهلة الأولى يشعر القارئ أنَّه أمام كتاب عن التاريخ الإسلامي، ويتبين أنَّ الطباعة والورق مناسبان.. وصورة الغلاف كذلك مُعبرة ودالة.

الإهداء للسلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله- وفي ذلك دلالة حسية على الزمن الذي تمَّت به وأجيزت مادة الكتاب، وهو في فترة حكم السُّلطان الراحل- غفر الله له- أيضاً لاحظت في الكتاب استعانة المؤلفة بالكثير من المصادر والمراجع، ربما لضمان قبول البحث وتوسيع آلية البحث وزيادة المصادر والمراجع تجعل الأفق أعلى والفائدة أكبر.

في بداية الكتاب ولأنه يتحدث عن العصر العباسي الأول فلابد أن يدخل في بعض دهاليز التاريخ السابق، وهو ما حصل؛ حيث مرَّت الباحثة مرور الكرام على مجريات ما حدث في سقيفة بني ساعدة، والحقيقة أتفق معها في هذه الجزئية لأنَّ موضوع السقيفة شائك وطويل بحثه وبه إرهاصات وتباينات تحتاج لوحدها كتابا منفصلا، لذا كان المرور السريع من صالح السياق العام للرؤى المكتوبة، خاصة على بعض الأحداث المُثيرة للجدل والتي لايكفي بحثها أحيانًا كتب وليس صفحات فقط، هو ذكاء من المؤلف لأنه ليس الموضوع المبحوث.

واضح حجم الجهد الذي بذلته الباحثة، وبسخاء ملحوظ امتثلت فيه للضوابط العلمية، فقد بذلت جهداً كبيراً لعرض موضوعها في ظل تضارب الروايات الناقلة لأخبار الحوادث؛ حيث خرجت بمجموعة تخريجات حاولت خلالها الاقتراب من الحقيقة قدر استطاعتها فاجتهدت في موضع الاجتهاد، وقلدت في موضع التقليد.

لاحظت الحذر والتحفظ إزاء كثير من المواقف في الأحداث، ولا لوم في ذلك لأنَّ مسؤولية الباحث الحصيف التأكد من المعلومة قبل الإمعان في تناولها، سيما ما يخص الأحداث المثيرة للجدل وللاختلاف قبل الاتفاق بين المؤرخين الكبار ممن أثْروا وأثّروا في نقل التاريخ، لأن كثيراً من الأحداث التاريخية تحتاج قراءات وليس قراءة جديدة، ومع كل بحث جاد نستنبط معلومة جديدة، أو تحليلا مختلفا. وهذا ديدن الباحثين الجادين في تتبع مسارات التاريخ وفتح منغلقاته.

لفت نظري في المُقدمة ذكر الباحثة أهم الدراسات السابقة في الموضوع؛ وهو رأي مُوفق؛ حيث أوردت للقارئ الدراسات السابقة التي راقبتها المؤلفة وربما استندت أو استعانت أو حتى أخذت فكرة معينة من كل دراسة. وبالطبع في ذلك استزادة وزود للفكرة، وتعميق للمعنى، وتوسع في منحنى الفهم العام للموضوع.

على ذكر الدراسات السابقة؛ ففي دراستي للتاريخ الإسلامي بالجامعة فهمتُ من أساتذتي أنَّ أهم مصدرين للتاريخ الإسلامي هما البلاذري والطبري، وهما تقريبًا الأقرب للحقيقة والمعقولية في تناول التاريخ، ولاشك كتب بقية المؤرخين لا نغفل وجاهتها، لكن من ذكرت لربما الأكثر موثوقية، لاحظت الاعتماد على الأرقام العربية (الهندية الأصل) في الترقيم، كذلك الهوامش ممتازة وتم التعامل معها بالشكل اللائق لوصول المعلومة أو المعنى المقصود.

عندما نتحدث عن الدولة العباسية، فقد تأسست بعد سقوط الدولة الأموية ومقتل آخر خلفائها مروان بن محمد، وعندما بُويع أبو العباس السفاح بالخلافة، وبدأت المرحلة الأولى من حكم العباسيين، والتي أطلق عليها المؤرخون اسم العصر العباسي الأول، فقد قُسمت أيام حكم العباسيين إلى عصرين: العصر العباسي الأول، والعصر العباسي الثاني، والعصر الأول استمر مايناهز قرنًا من الزمان، واتفقت كثير من كتب التاريخ على تسمية العصر الأول بالعصر الذهبي للدولة العباسية.

وأيضاً مما تمَّ بحثه هو حركة محمد النفس الزكية في المدينة المنورة، أعتقد أنَّه بعد مقتل أبو مسلم الخراساني لم يعد لا النفس الزكية ولاغيره يشكلان تهديداً حقيقياً لسلطة المنصور. وهو ما توضحه لاحقاً وكما ذكرت المؤلفة من أحداث، لأنَّ بمقتل الخراساني أزيحت أكبر عقبة تهدد عرش أبي جعفر.

تاريخ الدولة العباسية زاخر بالأحداث التي تحتاج إلى تحليل وتحقيق وتمضي معها الأسئلة التي لا تنتهي عن إحدى أهم المراحل في التاريخ الإسلامي، وهذا الكتاب إضافة تستحق الاحتفاء، وجهد أكاديمي مُقدَّر، وأتمنى أن يتاح بشكل أوسع ليكون زاداً للباحثين والمهتمين.