... ومضى عام!

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

مضي عام ما أسرعه على رحيل باني نهضة عمان الحديثة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- ذاك الزعيم الملهم المميز باسمه العظيم بفعله وعمله؛ ففي 23 يوليو من عام  1970 وعد شعبه بأنه سيعمل بأسرع ما يمكن لجعل عمان دولة عصرية ورقما مميزا على الخارطة العالمية، وعند رحيله بتاريخ 10 يناير 2020، أدرك العمانيون جميعاً أنه وعد فأوفي، وعده تجاه وطنه وشعبه فقد جعل الإنسان العماني يتنعم بخيرات الوطن، يستشعر نعمة الأمن والأمان والطمأنينة وسط عالم مضطرب الأحداث مليء بالصراعات والأزمات المختلفة، كانت عمان تمثل فيها واحة أمن وأمان ليست لقاطنيها فحسب، بل وحتى لزائريها نتيجة الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تنعم وتتمتع به.

ومن يرَ عمان قبل النهضة المباركة والان، يقف إجلالًا واحتراما لقائد النهضة، وابن عمان البار، على ما سطره من إنجاز أشبه بالإعجاز، ولم يأتِ هذا إلا بعد جهد جهيد وعزم أكيد وإرادة من حديد لم تلِن؛ فقد كان البناء والإصلاح أشبه بعمل المعجزات لدولة غرقت في ظلام دامس نتيجة ظروف شتى أعاد لها الحياة ذاك الفارس المغوار سليل أسرة السلاطين، الذي تشهد له جبال عُمان وقِفارها وسهولها بجولاته السنوية التي كانت أشبه بتفقد الأب الحنون لاحتياجات ومتطلبات أبنائه، لم يرسل لهم ليأتوا أو أرسل إليهم وسيطا ليشدو، بل جاءهم بنفسه ليشاهد بأم عينه ماذا يحتاج شعبه ويرغب.

وبعد أن اكتمل البيان وأصبحت عُمان دولة عصرية يشهد لها القاصي والداني، جاء الدور على التنمية البشرية وتطوير الإنسان العماني، ليتناسب مع مقتضيات التطور الحاصل في أرجاء العالم، وكان له ما أرد حين أثبت العماني علوَّ كعبه في جميع المحافل الإقليمية منها والعالمية، وأصبحت دماثة أخلاقه وتعامله السمح وثقافته الواسعة نبراسا يُحتذى، كما أصبحت عُمان صديقة للجميع من خلال سياستها المبنية على الاحترام المتبادل، وهذا ما ذكره السلطان الراحل -طيب الله ثراه- عبر أحد خطبه "بعدم التدخل في شؤون الغير وعدم القبول بتدخل ذلك الغير في شؤوننا"، وهذا نهج نبوي صريح كذلك من رسول الأمة صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

ومضى عام على وفاة مؤسس عمان الحديثة وما زال العمانيون يستحضرون تفاصيل ذاك اليوم بكل تفاصيله الدقيقة في مُخيلتهم؛ ابتداء من وقت سماعهم للخبر المفجع، مرورا برؤية مراسم الدفن وتنصيب حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أبقاه الله- وكانت الأحداث بسيطة التفاصيل عظيمة الدروس والمواقف، فقد كان فيها السلطان الراحل عظيما بعد وفاته كما هي تفاصيل حياته، وكانت آخر عطاياه لشعبه البار هو اختيار جلالة السلطان المعظم هيثم بن طارق؛ لما توسم فيه من صفات وقدرات تؤهله لحمل الأمانة ليكون وريث الجلال على عُمان العز سلطنة السلاطين.. فنعم العطية هي من سلطان بار أفنى زهرة شبابه وعمره في سبيل نهضة بلاده.. رحمك الله سيدي قابوس تاج الرؤوس، وجعل مثواك جنة الخلد، وصدق الشاعر خليل الخصيبي حين قال:

أسدل الليل ستاره // بعد حزن وخسارة

نصف قرن يا عمان // قاد قابوس قطاره

من شموخ وقلاع // جو بر وبحاره

قد رضينا بقضائه // ربنا هذا اختياره