الإرث (قصة قصيرة)

طفول سالم

"سأختبئ الآن" رددها على التوالي وهو يلهث، بأن التعب على جبينه فأخذ يهطل بالعرق لينسكب على تراب رث تمردغ فيه قدر المستطاع.

كل ما فيه ينبض بالقلق؛ تهادى إلى مسامعه أصوات إخوته وهم يقتربون منه: يبدو أننا نتَّجه نحو العدم؛ أبطئوا قليلاً لنعلم ما أمامنا".

صاح بهم أحدهم؛ بأنَّ نفق الزيف الذي يسيرون به يأخذهم إلى الهاوية.

هل ترى وصلنا؟ يصيح أخوهم عندما داهمت قدماه على كومة من التراب، ‏انظروا ها نحن الآن واقفون على كنز أبينا فقط دعونا نُقرر.

التمس أحدهم بعض النور فوجهه إلى الكومة ليجدوا جثة أخيهم مدفونة تحت التراب، وقفوا مذهولين شلت حركتهم، لم تقو أقدامهم على الحراك، اختفت تلك البهجة، داهم الشحوب وجوههم.

كانت الجثة مليئة بالثقوب جفت دماؤها مُتشبثة بخرقة يائسة من قميص أحدهم.

ساد الصمت فجأة ثم قال كبيرهم: هل سنبكي على هذه الجثة أم ندفنها فلا عين رأت ونقتسم قسمته بتساوٍ بيننا. بشكل مؤلم وصارخ، لم يستطع أحد مواجهة أي شيء، أو الاعتراض على كلامه، فارغين تماماً، عاجزين عن التنفس فقد أوهمهم بالغنى من قسمته فبما ستنفع جثته؟ يزحف الميزان بتساوٍ مقابل دموع الزيف.

اقترب أحدهم منهم يخطو بخطى خفيفة، أوجسوا خيفة في بادئ الأمر. حتى ظهرت ملامحه بين ظلال الأضواء التي بين أياديهم.

فقال لهم بصوت متعب مخلوط بشجن: انتظروا قليلا، ندفن أخانا ثم نقتسم ما ترك أبونا.

فهتف أكبرهم: لن ‏انتظر لأنظر إلى تعاستكم؛ سأخذ ما أراه حقي وسأرحل عنكم افعلوا ما تريدونه.

"غارق بين أوهام الدنيا يجعلنا نرى جحيم الحقد بشكل مبسط، ماذا سيفعل بنا غدا؟" همهم أصغرهم وجلس بقرب جثة أخيه ممسكاً رأسه والدموع بين محجر عينيه على ما وصل إليه حالهم من تشتت.

تقدم أكبرهم غير مبالٍ كعادته يهرول وراء نفسه دون أن يلتفت إليهم؛ فقط سقطت نفسه منذ زمن بعيد في هوة الحياة وحبها وحمل الكثير من المسؤوليات التي لا حصر لها فسرقته من أحاسيسه لتجعله جسدا بلا روح، ومع ذلك يفتقد حقاً إلى الحرية. يفتقد إلى نفسه التي تركها تهوي إلى العدم.

قال أوسطهم: هيا ندفن سوءة أخينا قبل أن يتعفن وتفوح رائحته.

أمسك كل واحد طرفاً من الجثة فوجدوا خرقة من قميص أخيهم الأكبر أدركوا من كان السبب في موته.

اجتمعوا عليه عندما همَّ بالهرب فرموا له ما تبقى من كنز أبيهم فقالوا له: خذ ما آلت إليه نفسك إنَّ المال لن يضيء لك دربك.

 فأقبل يتخبط ‏خائفاً مذعورا. من ماذا؟

يشعر كمن يتمزق من القلق، ‏بالكاد استطاع أن يجمع أفكارة، حاول جاهدا التغلب على ضعفه وكل ذلك التيه النفسي الذي لحقه كوحش كاسر يمتلك مخالب حادة يخدش وجهه وينزع عن عقله كل تلك الأسئلة التي أخذت تتلذذ بتعذيبه.

 فهام على وجهه تائهاً لا يحلم سوى بمغادرة نفسه.

تعليق عبر الفيس بوك