"QNB": "اتفاق البريكست" خبر جيد في نهاية عام صعب

الرؤية - خاص

قالَ التقريرُ الأسبوعيُّ لمجموعة بنك قطر الوطني "QNB"، إنَّه من المرجح أن تشهد المملكة المتحدة تعافياً أضعف من بقية الدول الأوروبية، رغم استمرار الدعم الكبير عبر السياسة المالية والنقدية، لكنَّ التقرير وصف اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" بأنه "خبر جيد في نهاية عام صعب"، في إشارة إلى المصاعب التي استمرت طيلة العام المنصرم.

وبعد سنوات، وصلت رحلة "بريكست" إلى نهايتها في آخر أيام عام 2020؛ حيث توصلت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق تجاري قبل فترة وجيزة من نهاية الفترة الانتقالية في 31 ديسمبر الماضي. واستمرت المفاوضات حتى اللحظة الأخيرة لكي يثبت كلا الجانبين لناخبيه المحليين أنه ناضل للتوصل لأفضل اتفاق ممكن. وبطبيعة الحال، فإن التأخير يجبر برلماني المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على قبول هذا الاتفاق أو التعامل مع تداعيات السقوط في هاوية "عدم الاتفاق". ويمثل الاتفاق جانبا إيجابيا للطرفين ويضمن نسبياً حرية تجارة السلع (أي دون رسوم جمركية ودون حصص)، وهو أفضل بكثير من التدابير الجمركية التي كانت مطلوبة بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية في حالة "عدم الاتفاق".

وأكَّد التقرير أنَّ كلا الجانبين اضطر لتقديم تنازلات بهدف التوصل للاتفاق. وتُجمع الآراء على أن المملكة المتحدة قدمت أكثر مما كان متوقعاً فيما يتعلق بموضوع صيد الأسماك، في حين خفف الاتحاد الأوروبي من إصراره على الرد بشكل أحادي في حال أقدمت المملكة المتحدة على تقويض قواعد العمل أو البيئة أو المساعدات الحكومية في المستقبل. واتفق الطرفان على إطار عمل جديد لإدارة الثروة السمكية في مياه الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بصفة مشتركة، مع فترة انتقالية مدتها خمس سنوات ونصف لتقليل حصص الاتحاد الأوروبي في المناطق التابعة للمملكة المتحدة. كما يعبر الاتفاق عن رغبة كلا الجانبين في الحفاظ على درجات عالية من الحماية فيما يتعلق بالحقوق العمالية والاجتماعية والشفافية الضريبية والمساعدات الحكومية مع تطبيق فعال على المستوى المحلي. ومع ذلك، فإن الاتفاق يتضمن آلية لتسوية المنازعات وإمكانية اتخاذ كلا الطرفين لتدابير علاجية. ويحافظ الاتفاق على التعاون في مجالات مثل النقل والطاقة والتنسيق بشأن مخصصات الضمان الاجتماعي مع استمرار المملكة المتحدة في المشاركة في العديد من برامج الاتحاد الأوروبي في الميزانية المقبلة التي تستمر حتى عام 2027.

لكن لا تزال هناك أوجه قصور في الاتفاق؛ لذلك سيستمر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في خلق اضطرابات في عدد من المجالات الرئيسية في العام الجديد. وسنأخذ في الاعتبار ثلاث قضايا؛ هي: المشكلات غير الجمركية في تجارة السلع، وعدم التوصل لاتفاق بشأن تجارة الخدمات، واستمرار المفاوضات المعقدة إلى ما لانهاية بسبب الاختلاف بدلاً من التقارب.

أولاً: ستستمر تجارة السلع في التعرض لمشكلات غير جمركية أكبر من تلك التي حدثت خلال الفترة الانتقالية. وتشير الأبحاث إلى أن أغلب الشركات على جانبي القناة الإنجليزية غير مستعدة للتغيرات التي ستطرأ على الإجراءات الورقية والفحوصات الإضافية (الجمركية والبيطرية والمرتبطة بقواعد بلد المنشأ) التي بدأ تطبيقها منذ الأول من يناير. ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى اضطرابات في الموانئ وطوابير من الشاحنات في العام الجديد. وشهدت الأسابيع القليلة الماضية صورة مماثلة لهذا الاضطراب، والذي نتج عن تطبيق اختبار جديد للكشف عن حالات كوفيد-19 بين سائقي الشاحنات في إطار مواجهة السلالة الجديدة للفيروس المنتشرة في جنوب المملكة المتحدة. قد تكون هناك فترة سماح حيث ستطبق المملكة المتحدة إجراءات جمركية جديدة على مدار ستة أشهر، مما قد يخفف قليلاً من الاضطراب، ولكن لا يوجد ضمان بأن الاتحاد الأوروبي سوف يرد بالمثل.

ثانياً: من المحتمل أن ينشأ اضطراب أكبر في تجارة الخدمات؛ حيث ركزت صفقة الخروج فقط على تجارة السلع. بينما لم تتضمن الصفقة أي شيء تقريباً بخصوص الخدمات المالية، وهو أكبر قطاع تصدير منفرد في بريطانيا. ويمثل قطاع الخدمات حوالي 80% من الناتج الاقتصادي للمملكة المتحدة وحصة كبيرة من صادراتها؛ لذلك يجادل المحللون بأن المملكة المتحدة ارتكبت خطأ بإعطاء الأولوية لقطاعي الصيد والتصنيع، وهما أقل أهمية من الناحية الاقتصادية. ولا تشمل الصفقة أي اعتراف متبادل بشأن المؤهلات المهنية أو حقوق التراخيص بالنسبة للبنوك وشركات الخدمات المالية. وبالفعل، لا يزال يتعين على الاتحاد الأوروبي إصدار حكم بشأن التكافؤ في تنظيم الخدمات المالية، والتي بدونها سيتم تقييد الأعمال عبر الحدود بشدة. كما لم يتخذ الاتحاد الأوروبي أيضاً قراراً بشأن كفاية البيانات، وهو أمر ضروري لتمكين التدفقات عبر الحدود للبيانات الشخصية التي تحتاجها الشركات الخدمية. كلا القرارين أحادي الجانب للمفوضية الأوروبية، ويمكن سحبهما في المستقبل حتى لو تمت الموافقة عليهما قريباً.

ثالثاً: ستتواصل المفاوضات حتى بعد استكمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وذلك لأن الصفقة تتضمن إنشاء 25 لجنة متخصصة ومجالس وزارية ومجموعات عمل لتغطية مجالات مهمة بما في ذلك سلامة الطيران والمنتجات الطبية والملكية الفكرية. ولا يمكن تجنب المفاوضات المستمرة مع الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر أقرب جار للمملكة المتحدة وأكبر شريك تجاري لها. في الواقع، كانت هذه تجربة سويسرا منذ رفضها عضوية الاتحاد الأوروبي في أوائل التسعينيات. ويكمن التحدي أمام المفاوضات المستقبلية في كونها ستجرى مع المملكة المتحدة الطامحة إلى الابتعاد عن معايير الاتحاد الأوروبي. وهو ما يتعارض مع ظروف معظم الصفقات التجارية التي تستفيد من النية الحسنة للأطراف الراغبة في التقارب بشأن معايير مشتركة.

ويختم التقرير بالقول إنه لحسن الحظ، فإن المخاطر المرتبطة بعدم التوصل إلى اتفاق بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد أُزيلت بالكامل. لذلك، تعتبر أخبار الصفقة جيدة لكل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث قللت من عدم اليقين وعززت المعنويات. ومع ذلك، لا تزال الآفاق الاقتصادية للمملكة المتحدة تواجه عوامل سلبية بسبب أوجه قصور صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مواجهة موجة حادة من كوفيد 19.

تعليق عبر الفيس بوك