أحلامٌ مُعلّقة على رأس عامٍ جديد

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

 

ها هو العام الجديد يبدأ أولى خطواته، مفعماً بالأمل والتفاؤل، معلناً نهاية عامٍ مليء بالألم والمنغصّات والمُفاجآت البغيضة في مجملها، يأتي العام الجديد مُحملاً بالأمنيات الكبيرة علّها تعوّض عاماً تقلّصت فيه الأحلام، وتباعدت الخطى، وتقاربت الأعمار حتى كادت أن تفنى الأرض ومن عليها، غير أنَّ هذا العام ـ الذي ما زال رضيعًاـ هو بمثابة طوق النجاة في أذهان كثير من الناس كي ينسوا ما مرَّ بهم من مآسٍ عبرت على أرواحهم وأجسادهم، حيث ما تزال الأحلام تدغدغ منامات البشر ومقاماتهم، وهل يملك النَّاس غير الأحلام؟!

يحلم النَّاس في هذا العام بوطنٍ يسع الجميع، يتساوى فيه الغنيّ والفقير، يعيشون فيه بكل أقدارهم، يدفعون ثمناً واحداً، ويحصدون ثمرا واحدا، يبنون حجارته، وحضارته دون أن يكون لأحد عليهم مِنّةً أو أذى، يحلمون بشمسٍ جديدة تشرق على كوكبهم الصغير، يعلّمون فيه أطفالهم على الأمل وحب العمل، يوطنّون عيالهم على التَّضحية والإيثار والقيم الوطنية الحقيقية، يرفعون شعاراتٍ يُؤمنون بها، ويُطبقون مبادئ موقنين بها، ويزرعون أرضهم بأيديهم لا بأيدي الأجنبي كي ينعموا بخيرات بلادهم دون تلوّث أو تلويث.

يحلم النَّاس في هذا العام بمُحاسبة الفاسدين المُفسدين الذين أكلوا الأخضر واليابس، ونهبوا ثروات البلاد، واستعبدوا العباد، وأثروا على حساب الوطن، ثم هم أوَّل من يضحي به، دون أن يضحوا لأجله، أولئك الذين كدّسوا الأراضي، وصنعوا مجدهم على عظامه، ولم يرفّ لهم طرْف وهم يرون وطنهم يغرق بسببهم، وظلّوا يُغنّون على ليلاهم، ويذكرون أفضالهم على غيرهم، ولو كان لدى بعضهم ذرة من وطنية لأرجعوا ما نهبوه من أراضٍ بيضاء، وسهول خضراء، وجبال سمراء، ولضحّوا بالقليل من أجل الكثير- حتى وإن لم يُطالبهم أحد بذلك- غير أنَّ الأنانية التي تربّوا عليها، وترعرعوا فيها تمنعهم من العطاء دون مُقابل، رغم أنَّهم أخذوا المُقابل عاجلاً غير آجل، ومع ذلك ما زال النَّاس يحلمون في هذا العام بمُحاسبة كل فاسد ومفسد، وإرجاع الحقوق لأصحابها، وأظن أنَّ 10 (أفدنة) تكفي هؤلاء المنتفعين عوَز الدهر، ومرارة الفقر، بدلاً من مئات الأفدنة، وآلاف الأمتار التي ركزوا عليها راياتهم، ورماحهم، والتي سلبوها واستولوا عليها ذات غفلة، ثم ادّعوا ملكيتها كابراً عن كابر، أو أنها آلت إليهم من فضل ربّهم.

يحلم النَّاس في هذا العام بفرص عمل (حقيقية) يشاركون من خلالها في بناء وطنهم، يحلمون بعصر رخاء وسخاء ورفاه، فيه يُغاث الناس وفيه يعصرون، تتراجع فيه أسعار السلع، وترتفع الرواتب، وتُزال الضرائب، وتختفي فيه الشركات الحكومية الخاسرة والمُخسِرة، ويقلّ الدين العام، ويذوب عجز الميزانية، وينعم المواطنون بمستوى معيشي أفضل مما تخيّلوا، فترتفع بذلك الهمم، ويعلو البناء، وينتهي الفقر، ويزيد دخل الأسر، ويعلو شأن السياحة ومشاريعها، حتى لا يضطر النَّاس لقطع مئات وآلاف الكيلومترات للتسلية والترفيه خارج بلادهم، ما زال النَّاس يحلمون بتنفيذ طريق الباطنة الذي أذاب الشحم والعظم، وبنى عليه بعض المسؤولون أحلامًا من تراب، وها هو ذا أصبح أطلالاً خاوية، ينتظر بدء الحلم الكبير الموعود.

النَّاس في هذا العام ـ ككل الأعوام ـ يحلمون ويحلمون فهم لا يملكون غير الحلم المُعلّق في شجرة الأمل، فهل تتحقق الأمنيات والمعجزات؟..وهل تصبح الأحلام حقيقة نلمسها، ونتغنّى بها؟..وهل نملك غير الأمل والصبر، والدعاء بأن يجنّب الله بلادنا كل سوء ومكروه؟!

إذن دعونا نحلم بغدٍ مشرق، ووطنٍ يسمو إلى العلياء دون حدود.. وعسى فرج الله قريب.