وقفات سريعة في شؤون الوطن!

 

حمد بن سالم العلوي

الوقفة الأولى:

إن التَّخصيص أو الخصخصة التي أجريت في السنوات الأخيرة من مسيرة النهضة العُمانية على بعض المرافق الخدمية، ودعمها بالأموال العامة، أصبحت كمن يعجن في "بطحاه"، فاستفاد منها حيتان المال والجشع، فخسرت الحكومة الدعم المالي، ولم يستفِد المواطن من الخدمة كما كانت الحال سابقاً، فعلى سبيل المثال، كانت خدمة الكهرباء تصل إلى منزل المواطن ولو في قمة جبل، واليوم يطالب بالكهرباء أهل قرية بأكملها ولا من مجيب، فصار لأهلها ثلاث سنوات يطالبون بتوصيل الخدمة، ولا يزال الطلب على طاولة الشركة أو في أدراج الحفظ المنسية؛ وذلك بعدما كان الرد بالرفض يتم في شهر ذي القعدة من كل عام؛ فهذا الرد لم يأت إلى الآن رغم مرور شهر ذي القعدة بأشهر كثيرة حتى هذا التاريخ؟! فأصبحتْ الطلبات كمن يركض وراء سراب، وطبعا ليست القرية وحدها التي تعاني من المماطلة والتسويف، فكلما ظن الناس أن الفرج اقترب، يصفع أملهم قرارٌ بالرفض، والخلاف بين أهل القرية وشركة الكهرباء مسافة 200 متراً، فالأهالي يقولون لو سِيْر بالمسار في خطٍّ مُستقيم لكانت المسافة أقل من هذه العقدة التي ترفض الشركة التزحزح عنها، وهي مسافة 1.5 كيلومتر، وكأن فرحة أهل القرية بحلم العودة إلى قريتهم تبخَّرت؛ وذلك بعدما فرحوا بشق طريق ترابي لهم، وبعد انتظار استمر 45 عاماً.

 

الوقفة الثانية:

لقد عَمدت هذه الشركات التي تمَّ تخصيصها إلى تحويل نظام الإدارة إلى اللغة غير العربية، رغم وجود قرار وطني من الديوان السلطاني وقتذاك، بضرورة استخدام اللغة العربية، كلغة رسمية للدولة في المخاطبات -إلَّا إذا كانت الشركات تعد نفسها خارج الدولة العُمانية- وإذا استلزم الأمر إلى إجراء ترجمة، فإن ذلك يكون مرافقاً للغة الرسمية للبلاد. إذن، تمَّ طمر اللغة العربية عمداً نزولاً مع مصلحة الشركات؛ وذلك من أجل الاستعانة بالوافدين في الإدارة، وكما يقول المثل: "حصيني ونصفه حرام، يعني لا نحن كمواطنين استفدنا من الخدمات، ولا الحكومة ارتاحت من الدعم، ولا أبناء المجتمع وجدوا وظائف، والسؤال هنا: هل نحن فعلاً نسير إلى الأمام؟! أم بذلك رجعنا خطوات كبيرة وكثيرة إلى الخلف؟!!

 

الوقفة الثالثة:

التجارة والصناعة، تزدادان تركُّزاً وتعمُّقاً في أيدي الوافدين، ونحن نشكو تضخم البطالة، وإن الباحثين عن فرص العمل في ازدياد سنوي، ولا نرى في الأفق القريب بصيص أمل للخروج من هذه الأزمة بل الدوامة، أي ليست هناك خطوات فعلية لحل عقدة التشغيل، وكلما طالبنا بإنشاء جمعيات أهلية بدعم حكومي، فلا تلقى مطالبنا إلا آذان صماء، ونحن نرى في المقابل كيف يتوغل الوافدون في السيطرة على التجارة والصناعة. وعلى سبيل المثال: ذهبتْ في هذا الأسبوع إلى شخص وافد يعمل في تصليح الحواسب الآلية، فطلبت منه أن يصلح لي الحاسب الآلي، وكنت مُستعجلًا على طلب إصلاح الجهاز؛ فقلت له: صديقي الوافد سأدفع لك مبلغاً مضاعفاً إذا تُسرِع لي في إصلاح الجهاز؛ فقال جيد لكن قطع الغيار التي احتاجها غير متوفرة لديَّ الآن، فقلت له: ارسلني إلى المحل الذي تأتي بقطع الغيار التي تحتاجها، فقال؛ لن يقبل أن يعطيك قطع الغيار لأنك عُماني، وقال لي ناصحاً: فإذا أعطاك قطع الغيار فإنه سيأخذ منك سعراً مُضاعفاً، وطبعاً مثل هذا الكلام قد حدث معي مرات عديدة؛ فقد كنت قد ذهبت أنا وشخص وافد لشراء بعض المواد، فقال لي هذا الصديق الوافد، انتظر أنت خارج المحل، وفعلت، فدخل هو واحضر لي البضاعة التي سبق وقيل لي سعرها بـ280 ريالا، فأخذها هو منه لي بمبلغ 190 ريالا؛ فكيف تريدون من المواطن أن ينافس في التجارة، دون أن توفر له الحماية بطريقة الاستيراد المباشر؟!!

 

الوقفة الرابعة:

إنَّ عرض هذه المعلومات من خلال النقاط أعلاه، وذلك إضافة إلى الأقوال والأحاديث التي يكرِّرها أعضاء مجلس الشورى أكانوا السابقين أم الحاليين، حول الإخفاقات الكبيرة التي لحقت بالشركات الحكومية، فأعتقد جازمًا أنَّ هناك ضرورة ملحة تفرض تصحيح المسار، أو إسكات أعضاء مجلس الشورى عن الكلام بأمر من المحكمة، وعلى الحكومة أن تتخذ قرارًا بتعطيل المجلس، وتوفِّر معاشات أعضائه لكي تدعم بها شركات الخصخصة، والتي سارت في نفع ذاتها على حساب ومصلحة الوطن واقتصاده، وإلا يجب أن يُحاسب كل من كان له رأي أو فعل أدى إلى هذه الكارثة، وكل التداعيات التي حلت ولا تزال تحل بالوطن، نتيجة المصالح الشخصية الضيقة، ويجب أن يحاكم الجميع الذين أوصلوا البلاد الى هذه الاختناقات الاقتصادية الخطيرة، وأن تصادر أموالهم التي سلبوها بالحيل والخديعة.

 

الوقفة الخامسة:

وفي الختام، نقول كفى ضغطاً وتضييقاً على المواطنين، الذين ليس لهم يد في كل هذا الذي حدث ويحدث، وإنما تُلاحقهم الحكومة بالتضييق عليهم من كل حدب وصوب؛ فالبلدية تتربَّص بسيارة المواطن لتغريمه أضعافاً مضاعفة، إن هو وقف لبرهة بسيطة في موقف عامة تعتبر خدمة من الحكومة، ومن الأموال العامة التي هو شريك فيها، والشرطة تنشر الرادارات بكثافة عالية وبين الرادار والرادار هناك رادارات أخرى صغيرة أو محمولة بالسيارات؛ فكان الأفضل من كل ذلك تثقيف السائقين لتجنب المخالفات والمخاطر، وهناك الرسوم والضرائب المتنوعة، وحتى الوكالات الشرعية للأيتام، لم تسلم من الغلوِّ والمبالغة، فكان الأجدر بإرجاع الشركات التي أثبتت تكرار فشلها الى كنف الحكومة، وكذلك المنتجعات السياحية والفنادق الحكومية، والمطارات وشركات الاتصال، وشركات التعدين والأسماك، وكل شيء يعتبر فيه دخل قومي، فبدلاً من أنْ يستفيد منه بعض الأفراد، تستفيد منه الحكومة والمجتمع، أما الضرائب والرسوم التي وُجِّهت نحو جيب المواطن، فهذه تخالف المعلوم من أنه في زمن الأزمات توقف جباية الشعب، حتى لا يستثأر ضد السلطة، وذلك نتيجة الضغوط المتلاحقة، فإن كانت الحكومة لا تستطيع إفراحه بشيء يستفيد به، فلا تحزنه بسلبه اليسير الذي في جيبه، حتى يظل حبل الوصل ممدوداً بين الشعب والحكم.

حفظ الله عُمان وشعبها الأبي وسلطانها الشَّهم الأمين.. وكل عام والجميع بخير بمناسبة العام الجديد، جعله الله عام خير ورخاء على عُمان وسائر بلاد العرب "والمسلمين حقاً"، وليس بالإنتماء فهم اليوم كثر.