وداعًا عام النكبات والصدمات

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

 

وداعًا عام 2020، وداعاً عام الخسارات المتوالية والمتتالية، وداعاً أيها العام الذي أنهكنا، وأرهقنا، وعلّمنا ما لم نكن نعلم، وداعًا غير مأسوف عليك، مع إنني لا أؤمن بالمظاهر الخادعة، غير أنَّ هذا الرقم الجميل شكلاً لم يكن كذلك مضموناً، كان عاما مرعبا، ومأساويا، وقاسيا بكل معاني الكلمات، فقدنا فيه أحبتنا، ورحل فيه أصحابنا، وقلب الدنيا رأساً على عقب، وأدخل الرعب والهلع في أفئدة الجميع، بعد أن ظن الناس فيه خيرًا- قبل أن يبدأ- وعلّقوا عليه حبل آمالهم، وأحلامهم، فإذا به يتحوّل إلى كابوس مزعج، وحلم ثقيل يجثم على الصدور، وأصبح الكل ينتظر دوره في الحصاد، ويعارك الحياة، والموت معًا.

حاولتُ أن أتذكّر ملمحاً جميلاً أتحسّر عليه في هذا العام، فلم تسعفني الذاكرة، وحاولتُ أن أشكّل لوحة ملوّنة فلم أجد غير السواد لونا، بحثت في دهاليز الذاكرة فوجدت مشاهد مرتبكة ومشوّشة من الأحداث والفقد والقرارات الحكومية، والاضطرابات العالمية، ووجدتُ محاولات لاهثة من العلماء للبحث عن دواء لوباء نهش عظم الأرض، وأهلك الحرث والنسل، ولم يترك غير الحزن والألم في قلوب الكثيرين، وما زال يتوالد ويتكاثر ويتشكّل في أقنعة أخرى.

يمّمتُ وجهي شطر الوطن فوجدتُ بداية حزينة للعام برحيل السُّلطان قابوس بن سعيد مؤسس عمان الحديثة- طيّب الله ثراه-، تلاه قرارات مصيرية لم يكن فيها ما يسر الخاطر، أو يريح القلب، تقاعدات إجبارية بالجملة، وتسريح عمّال وموظفين في القطاع الخاص، وإغلاق شركات ومؤسسات، ورفع دعم عن الخدمات، وفرض ضرائب لا نهاية لها، وموقف اقتصادي ومالي لا نُحسد عليه، ومصطلحات جديدة على قاموس السياسة الداخلية المحلية، وخطط قصيرة ومتوسطة وطويلة لم نعتد عليها، ومستقبل أمره بيد الله، ورغم ذلك نعلّق على الغدِ آمالا عريضة لا نملك غيرها.

توجّهتُ بذاكرة العام إلى المحيط الخليجي والعربي فوجدتُ فوضى لا نهاية لها، وتوازنات إقليمية صادمة، ومعادلات سياسية لا عقل لها، ولا منطق، وشعوباً دون إرادة أو فكر أو مبادئ، فعدو الأمس أصبح صديقا، والأخ الأبدي أضحى عدوا، والشعوب التي حاربت الوهم طوال سنين أصبحت هي من يقود التطبيع، وتهرول نحو العبث، والعدم، وأصبحت فلسطين أرضا يهودية "يحتلها الفلسطينيون"، وأضحى قاتلو الأطفال ومجرمو الحرب أبطالا في نظر بعض العرب، وغدا بعض الخليجيين أكبر داعم لإسرائيل ومروّج لسياساتها!! فأي عالم غريب نعيش، وأي عامٍ أعجب من هذا؟!

رأيتُ في هذا العام- المليء بالمفاجآت- عالما من القش، يحاول النجاة من القدر، وشعوبا متقدمة تكنولوجياً تؤمن بالغيبيات، والمؤامرات مثلنا تماماً نحن العرب، رأيتُ الولايات المتحدة بكامل هيبتها تسقط بالضربة القاضية أمام كورونا، ودولا تنهار تحت ضرباته القاتلة، وأخرى تستغيث، وعلماء يسابقون الزمن لإنتاج لقاح يوقف زحف الفيروس الخفيّ، ودولا نامية أو نائمة تنتظر دورها في طابور الحصول على رغيف الدواء، وتحوّلت الكرة الأرضية إلى عالمٍ مغلق، وسجن كبير يضم المجرمين والأبرياء على حد سواء، ولا يعرف أحد متى ينتهي هذا الفزع.

وداعا أيها العام المليء بالأحداث، والصدمات، والمؤامرات، والمكائد، والنفاق الدولي، وداعا غير مأسوف عليك، فرغم ملمسك الناعم، إلا أنك كنتَ الرقم الأصعب الذي لن ينساه العالم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ونسأل الله اللطف والسلامة في العام الجديد للعالم أجمع، والرحمة والمغفرة لكل من فقد عزيز عليه في كل الأعوام.