توقعات الطلب العالمي تزداد سوءًا.. والمحللون يقلصون فرص التفاؤل

أسعار النفط تترقب ملامح "عالم ما بعد كورونا" .. وأشهر "صعبة" تسبق التعافي

ترجمة - الرؤية

من السَّهل الوقوع في فخ عودة ارتفاع أسعار النفط، فبعد عام حافل واستثنائي، تتزايد الآمال بأن 2021 يحمل أيامًا أفضل، لكن لا يزال هناك طريق طويلة لنقطعه للعودة إلى الحياة الطبيعية، هكذا رأت وكالة بلومبرج -في تقرير لها- مستقبل الخام الأسود في العام المقبل.

هذا الواقع الصعب لم يمنع أسعار النفط الخام من الارتفاع بمقدار 14 دولارًا للبرميل، أو 37% منذ بداية نوفمبر2020، وهو الذي أظهرت فيه البيانات التجريبية أن اللقاحات أثبتت فعاليتها الشديدة ضد كوفيد 19، تلاها توزيع سريع للجرعات الأولى من اللقاح في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وساد جو عام من التفاؤل لم يكن موجودا قبل عام منذ ظهور المرض الغامض في الصين. فالارتياح الذي يشعر به سوق النفط أمر مفهوم، فانتشار الفيروس، كان له تأثير مدمر على الحياة وسبل العيش، وتمثلت الأداة الوحيدة لدى معظم الحكومات لإبطاء العدوى في إغلاق اقتصاداتها؛ مما تسبب في تراجع غير مسبوق في الطلب على النفط.

كبار خبراء النفط في العالم من وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية ومنظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك"، بدأوا ببطء في إدراج الفيروس ضمن توقعاتهم، ورأوا في البداية أن تأثيره يقتصر على الصين. لكن بحلول أبريل، كان من الواضح أن المرض انتشر بسرعة في أماكن أخرى. وتراجعت التوقعات لعام 2020 بشأن الطلب على النفط ولم تتعافَ كثيرًا في الأشهر اللاحقة. ومن المتوقع أن يكون استهلاك النفط هذا العام من قبل أكثر 3 دول مستهلكة له حوالي 10 ملايين برميل يوميًّا، أي أقل من الكميات التي كانوا يتوقعونها في نهاية العام الماضي، وهو ما يكفي لتزويد إفريقيا وأمريكا اللاتينية بالوقود.

واتسمت ردة فعل المنتجين بالبطء، وثارت خلافات -يبدو أنه- لا يمكن حلها بين أوبك وحلفائها، بعد أن رفضت روسيا في مارس الموافقة على تعميق تخفيضات الإنتاج للمساعدة في دعم أسعار النفط. لكنهم أعادوا تجميع صفوفهم في أبريل ووافقوا في النهاية على خفض قياسي بلغ 9.7 مليون برميل يوميًا منذ بداية مايو.

وجاء المزيد من تخفيضات الإمدادات من المنتجين من خارج مجموعة "أوبك بلاس"؛ حيث تم تخفيض الميزانيات ولم تعد بعض عمليات الإنتاج منطقية من الناحية الاقتصادية. وتراجع إنتاج الخام الأمريكي، الذي بلغ ذروته بالفعل في نوفمبر من العام الماضي، بمقدار 2.7 مليون برميل يوميًا، أو 21%، بين مارس ومايو. لكن الصناعة استعادت حوالي ثلث تلك الكمية في الأشهر اللاحقة؟

وأدت الاستجابة البطيئة إلى ارتفاع مخزونات النفط؛ حيث امتلأت صهاريج التخزين، وتعرضت سفن النقل لضغوط للاحتفاظ بكميات زائدة وقدرة فائضة في كاشينغ بأوكلاهوما، وهي نقطة تسليم عقد خام غرب تكساس الوسيط، مما أدى إلى انخفاض الأسعار لفترة وجيزة لما دون الصفر وبالأرقام السلبية لأول مرة في تاريخ تداول النفط.

وبحلول نهاية أكتوبر، كانت مخزونات النفط في الدول المتقدمة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لا تزال أعلى من الذروة التي وصلت إليها خلال زيادة عام 2016 التي سبقت تشكيل تحالف "أوبك بلس"، على الرغم من أنها كانت تنخفض خلال الأشهر الثلاثة السابقة.

وساعدَ الانضباطُ الإنتاجيُّ بين منتجي أوبك بلس -الذين نجحت المملكة العربية السعودية في الحفاظ على التزامهم- على خلق عجز في الإمدادات اللازمة والسحب من المخزونات. ونتيجة لذلك، كان الامتثال العام للتحالف لأهداف الإنتاج أفضل من التوقعات.

لكن لا يزال هناك طريق طويل؛ إذ تظهر أحدث التوقعات من الهيئات الثلاثة (أوبك ووكالة الطاقة الدولية، وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية) أن الطلب العالمي على النفط يتأخر عن مستويات 2019 طوال العام المقبل، رغم الأخبار الإيجابية بشأن اللقاحات؛ حيث إن التوقعات تزداد سوءًا، ولا تسير نحو الأفضل. وخفَّض محللو أوبك توقعاتهم للطلب على النفط لعام 2021 مع كل تقرير جديد منذ يوليو، عندما بدأوا نشر الأرقام الفصلية للعام المقبل.

وتعافي الطلب غير المكتمل -جغرافيًا وقطاعيًا- ومن المرجح أن يستمر على هذا النحو، كما أنه سيكون عرضة لتقلبات المعركة العالمية لدحر الوباء؛ فقد فُرضت قيود أكثر صرامة مرة أخرى في معظم أنحاء أوروبا وفي بعض الأسواق المهمة في آسيا، كما تتزايد الحالات الجديدة مرة أخرى في كوريا الجنوبية، على الرغم من أن البلاد لم تصل بعد إلى نقطة تشديد قواعد التباعد الاجتماعي، في حين أن موجة جديدة من الإصابات تسبب تحديات للتعافي الهش لليابان.

وتختتم بلومبرج تقريرها بالقول بأنَّ الموافقة على اللقاحات تمثل بداية فعالة لـ"عالم ما بعد الجائحة"، لكن من الحماقة الاعتقاد بأنه ولمجرد قدرتنا على رؤية خط النهاية، فهذا يعني أننا وصلنا إليه بالفعل، فالطريق طويلة وستكون الأشهر القليلة المقبلة صعبة؛ سواء بالنسبة لصحة الأشخاص ورفاهيتهم أو للاقتصادات في جميع أنحاء العالم وخاصة قطاع النفط.

تعليق عبر الفيس بوك