متى نقرأ على الأوطان السلام؟!

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

حين تُصبح الأوطان مزرعة للمنتفعين، ويكثُر الإقطاعيون، ويزدَاد الغنيُّ غنى، والفقيرُ فقرا، ويوقَّر السفيه، ويُحطَّم الشريف، وترتفع مكانة المُفسد، ويُهان الكريم، ويُحتقر المعلّم والمتعلّم والتعليم، ويعلو شأن الجاهل، وتُنظِّر الراقصات، وتُشفَّع الغانيات، ويُقرَّب المنافق، ويُسجَن صاحب القلم الحر، ويُكافأ المسيء، ويَتسلّط الوضيع، وتُفتّش النوايا، وتُخترق القوانين، ويصبح الفساد إدارة، والسرقة فنا، والمفسدون جزءا من الوطن، وتصير الرشوة مصدرا للرزق، ويكثر اللصوص تحت رعاية ونظر الحكومة.

فقُل على الأوطان السلام

حين تكون دِية الناقة أعلى من دية الإنسان، وتصبح الشهادات العلمية مجرد ورقة لا قيمة لها، وتُسرَق العقول، وتُهمّش الكفاءات، وتُقلب الحقائق، وتُداس الكرامات، ويفخر الرجل بماله، ولا يُسأل عن مصدره، وتتحوّل الثورة إلى ثروة، ويتحوّل الوطن إلى مجرد بئر نفط، ويُسمّى التخريب إصلاحا، والمصلح مخرّبا، والمنادي بالحرية مارقا، والحر عبدا في وطنه، والسجون ملأى بالأبرياء، والمجرم طليقا، والسجّان مسجونا.

فقل على الأوطان السلام

حين يُمجَّد لاعب الكرة، ويُستبعد طالب العلم، ويعلو شأن التافهين، ويصبح الشرف سلعة، والكرامة صرعة، ويصبح المتخلّفون هم من يقودون المجتمع، والثرثرة الفارغة مصدرا للارتزاق، ويتحوّل المنحطون أخلاقيا إلى أيقونات شبابية، وجهلة وسائل التواصل الاجتماعي إلى قدوة، ويكون المشعوذون أكثر من الحكماء، ويغدو الالتزام تخّلفا، وكل من أطلق لحيته إماما، وكل فاجر بطلا، وكل متسلّق ناصحا أمينا، وكل مصلح خائنا وعميلا.

فقل على الأوطان السلام

حين يصبح الوطن مستباحا، وخزائنه منهوبة، ووزراؤه جامعي ثروات، ومسؤولوه يوقّعون عقود الحكومة في سهراتهم الخاصة، وتصبح المزارع وكرا مشبوها لليالي الملاح، ويصبح الموظف الفقير ثريّا بين يوم وليلة، وتُصاغ القوانين لخدمة المتنفّذين، ويتحكّم التجار في لقمة الفقراء، وتبدو الرقابة معدومة، والمحاسبة ممنوعة، وثروات الوطن بين يدي اللصوص، والقضاء معطّلا، ويكثر علماء السلاطين، وتصدر الفتاوى حسب الهوى، وتصبح المصالح العليا تجارة، ويصير الدين سلعة، والمذهبية أساسا، والوطنية شعارا، والغريب مقرّبا، والمواطن مُطارَدا، والمثقف متهما، والصحافة سخافة، والإعلام مضلِّلا.

فقل على الأوطان السلام

حين ترتفع راية الباطل، وتُنكّس راية الحق، وتصبح الخيانات شريعة، وتُغسل أدمغة الشعوب، ويُقادون كالبهائم، ويُصفّق المنافقون للحاكم الجائر، وتنقلب المفاهيم، ويُحاصَر الجار، ويُحتضن العدو، ويُستهزأ بالمظلوم، ويُناصَر الظالم، ويصبح البطن والفرج هو الهم الأكبر للمواطن، وتُشتم الأعراض، وتُنتهك المحارم، وتدنّس المقدسات، وتتضخّم الأنا، ويصبح الوطن كعكعة كبيرة قابلة للتقاسم، ويصبح المواطن مجرد عبء على الحكومة، والديمقراطية مجرد لعبة، وتُغتصَب العقول، ويصبح الاحتيال شطارة، والنفاق طهارة، ويزداد الفقر في دول النفط، ويصبح الشباب طاقة معطلّة، ويتحكّم الأجنبي في مصير المواطن، ويغمض المسؤول عينيه عن الحقيقة، ويبحث عن مصلحته فقط، ويكون الوطن آخر همّه، وأجهل علمه.

حينها قل على الأوطان -أي وطن- السلام.