"احشرها من الغرب"!

خلفان الطوقي

جملة "احشرها من الغرب" انتشرتْ كثيرا قبل عدة أيام في وسائل التواصل الاجتماعي؛ نتيجة حادثة وقعت كما هو متداول في مشادة كلامية بين موظف ومراجع من المواطنين، في إحدى المديريات التابعة لوزارة الإسكان والتخطيط العمراني، تُقال مثل هذه الجمل الشبيهة عندما يكون هناك تحدٍّ في إنجاز عملٍ معيَّن بين شخص وآخر، وأنَّ هناك ثقة تامة من قائل الجملة للمتلقي: بأني واثق أنك لن تستطيع أن تقوم بأي شيء يذكر، وأن مساعيك لن تنجح، وردة فعل المتلقي تكون الإحساس بالتقزُّم والتصغير.

لسنا هنا لنتحدث عن هذه الحادثة بالذات، والحكم على من هو المُخطئ؛ فهذه ليست مُهمتنا؛ فهناك الأجهزة التنفيذية والرقابية والقضائية هي من سيرصد ويحقق ويحكم، لكنَّ الأجهزة الإعلامية لابد لها أن توثق مثل هذه الحوادث لأسباب عديدة؛ أهمها: تسليط الضوء على مثل هذه الحوادث الخارجة عن السياق المعتاد، والحوادث التي يمكن إيصالها لمتخذي القرارات ليحقُّقوا فيها، ويحاولوا تفاديها مستقبلا أو تقليلها لمستوياتها الدنيا، علما بأنَّ مثل هذه الحوادث تقع يوميًّا في صور مختلفة، لكنَّ القليل منها يستعرض لظروف ساعدت هذه الحادثة أو تلك لتصل لمسمع الجميع، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.

مثل هذه الحادثة التي يُمكن أن نُسمِّيها مجازا "احشرها من الغرب" ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، من المهم تسليط الضوء عليها، لكن الأهم في الموضوع كيف يمكن لأجهزتنا الحكومية أن تقلل من أي سلوكيات خارجة عن السياق المهني الذي يدعو للاحترام والثقة المتبادلة والتعامل الراقي بين الموظف والمراجع أيًّا كان: مواطناً، أو مقيما، أو زائرا، وهذا لن يتحقق ما لم تكُن المبادئ والأطر القانونية والإدارية والسلوكية واضحة بين موظفي جميع الوحدات الحكومية، ويمكن تقسيمها ببساطة إلى الشكل التالي:

قانونيًّا: باعتبار أنه لا أحد فوق القانون، والقانون هو الحاكم والفاصل المحايد بين الموظف والمراجع، وهو الجهة المستقلة التي لا تفصل بين هذا وذاك إلا بعد التحقق من الخصوم، وإعطاء كل ذي حق حقه.

إداريًّا: وجود وثيقة أو دليل استرشادي يوضح أفضل الممارسات الإدارية التي تخص "خدمة العملاء" والوصول إلى رضائهم أو درجة الرضا المتعارف عليها مجتمعيا، والحاكم هنا بين المتخاصمين هو "معايير الأداء" المكتوبة في وثيقة الدليل الاسترشادي.

سلوكيًّا ولفظيًّا: وتحكمها الأعراف المجتمعية، والتي تتبنى مبادئ الاحترام المتبادل بين الناس، والتعامل الإنساني المبني على الذوق والرُّقي في السلوك وتخير أفضل الكلمات والألفاظ، وما ينطبق في المجتمع، فإنه ينطبق في التعاملات الرسمية بين الموظف الحكومي والمراجع.

حادثة "احشرها من الغرب" هي فرصة لكل الوحدات الحكومية في كل محافظات السلطنة، ولكل مسوؤل حكومي، أن يستفيد منها إيجابيًّا، ويرفع من مستوى "خدمة العملاء" على المستوى المؤسسي والشخصي، فالمراجع أصبح اليوم أكثر وعيا من السابق، ويعلم ما له وما عليه، ولن يقف مكتوف الأيادي إن وقع عليه ظلم ما، ويعلم يقينا أن طرق رد المظالم أصبحت عديدة ومفتوحة، وإن لم ينصف من داخل الوزارة، ربما سيُنصف من خارجها.