< إخلاص النوايا وترتيب الصفوف وتشابك الأيدي وجعل عُمان أولا من شأنه أن يحقق الأهداف ويولد البركة في الأرزاق ويعزز منعة الوطن
يوسف بن حمد البلوشي
yousufh@omaninvestgateway.com
تستنهضُ الرؤية المستقبلية "عُمان 2040" هِمَم أفراد المجتمع لتتقدم بثقة في مسيرة التقدم والبناء، وتوفير أرضية مناسبة لضبط بوصلة المسار التنموي في الاتجاه المرغوب.. وتستحث تغيرات في النموذج التنموي القائم بما يتناسب مع طبيعة المرحلة المقبلة، وجاهزية الإطار التشريعي والبنية الأساسية وتوافر الموارد والمقومات، وبما يتماشى مع تطلعات أفراد المجتمع والمستجدات: المحلية، والإقليمية، والعالمية.
ويتَّفق الجميع أنَّ عُمان على أعتاب مرحلة جديدة، مُستندة في ذلك إلى حصيلة التجربة التنموية الثرية للسلطنة بما حوته من إنجازات لتجاوز العديد من التحديات، والاستفادة من الأحداث ودروس التاريخ التي مرت بها المنطقة والعالم. ولكي لا تبقى رؤية 2040 التي تم إعدادها بنهج تشاركي وتوافق مجتمعي، وتمت صياغتها بكوادر وطنية جابت مختلف محافظات السلطنة وثيقة نظرية، ولضمان تحقيقها يستشعر الجميع الحاجة الى إدارة للتغيير لتسهم وتمهد الطريق لتحقيق توجهات وأهداف هذه الرؤية. ونحن على أبواب إطلاق الرؤية، والتي ترتكز على 5 برامج وطنية مترابطة، تسعى لتهيئة الأرضية المناسبة لتحقيقها ونجاح أيٍّ منها مرتبط بالآخر، ولقد بدأنا فعلًا تطبيق برنامجيْن؛ الأول: يرتبط بإعادة هيكلة الجهاز الحكومي ورفع كفاءته، والبرنامج الثاني: يرتبط بتحقيق التوازن والاستدامه المالية. وهناك 3 برامج الأخرى ترتبط بالتحول الإلكتروني، وتحقيق التوازن في دورة الأنشطة الاقتصادية والبرنامج الثالث يُعنى بالإنسان العماني وتعزيز منظومة قيم وثقافات المستقبل، والذي سأتناوله باختصار اليوم.
إنَّ الإنسانَ العمانيَّ هو هدف 2040 وأداتها، وهو الذي يجب أن يغير نفسه لينطلق لتغيير كل شيء حوله، وهذا ما أكد عليه قوله تعالى في سورة الرعد (الآية 11): "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فالنتيجة المختلفة تحتاج إلى سلوك مختلف. فسلوك أفراد المجتمع ومهاراتهم لها الأثر الأكبر في زيادة الإنتاج وإحداث التحول والتقدم المنشود. والفرد هو مركز الدائرة في العملية التنموية، فكلما كان الفرد مُنتجًا كان المجتمع يتمتع بقاعدة إنتاجية واسعة، وكلما كان الفرد مُستهلكًا كان المجتمع مُستهلكًا وغير قادر على بناء رأس مال جديد. كما أنَّ هناك صفات وقيما معينة تنفرد بها الأمم الناجحة، تقوم على قيم سلوكية موجهة كتلك المرتبطة بقيم العمل والإنتاج والاستثمار والادخار والترشيد والمسؤولية... وغيرها. ولا يخفى أن معادلة بناء الإنسان المُنتج المُبدع ليست سهلة وتحتاج عوامل مادية كالتعلّم والصحة والحياة الكريمة، وأن تتوافر في المجتمع أسس الأمن والعدالة وحكم القانون ومُحاربة الفساد والمُحاسبة والإحساس العالي بالمسؤولية، وأن يكون هناك رؤية واضحة لا يكتنفها الغموض.
وبشكل عام يهدف هذا البرنامج إلى غرس وتعزيز العديد من القيم والثقافات التي من شأنها تمكين تحول السلطنة إلى نموذج جديد من النمو، مبني على الإنتاج وإطلاق قاطرات النمو في القطاعات المختلفة، وتعظيم الاستفادة من درجة الجاهزية التي تنعم بها السلطنة، إضافة إلى الكفاءات العمانية المؤهلة في مختلف الأصعدة. ويظل العنصر البشري المحور الذي تلتقي عنده مختلف الوسائل والسياسات التنموية. ويعتبر العنصر البشري العامل المحدد لدرجة تقدم الأمم، وأن أغلى ما تملكه أي دولة هو ثروتها البشرية؛ فالبشر هم أدوات التنمية، وهم الغاية النهائية لها. كما أنَّ كل إنسان لديه مجموعة من المهارات والملكات والقدرات، وتظل هذه القدرات حبيسة لحين إتاحة الفرصة لها للانطلاق.. فالتحدي هنا يكمن في كيفية إطلاق وتوظيف قدرات الإنسان لصالح المجتمع والتنمية.
ولكي تنجح السلطنة في تحقيق رؤيتها في ظل عالم يتسم بالتغير والتحديات، فإنَّها تحتاج إلى أن يتسم الإنسان العماني بالإرادة الصلبة والعزيمة التي لا تلين، وأن ينزل إلى ميدان العمل الإنتاجي لتلبية الطلب المحلي والتصدير.
لذلك.. إذا أردنا صناعة المستقبل وتغيير الموازين، والاستفادة مما تمَّ تحقيقه والهوامش المتاحة لنا في ظل تكالب التحديات؛ فإخلاص النوايا وترتيب الصفوف وتشابك الأيدي، وجعل عُمان أولاً، من شأنه أن يحقق الأهداف، ويولد البركة في الأرزاق ويعزز منعة الوطن، ويحقق النقلات النوعية الضرورية في النموذج التنموي، ويوفر الرفاه والسعادة للجميع.