ناجي بن جمعة البلوشي
من بين المُبادرات التي تتوجه الحكومة مُمثلة بوزارة المالية لتنفيذها بداية العام القادم رفع الدعم عن قطاع الكهرباء ولأنه الفاتورة الكبيرة التي تعد من أكثر الأموال المخصصة في الدعم الحكومي كونها مرتبطة برقم يساوي 601.9 مليون ريال حسب التقرير السنوي 2019 لدى هيئة تنظيم الخدمات العامة (هيئة تنظيم قطاع الكهرباء والمياه سابقًا).
لذا هي في تجريدها تعني مبالغ كبيرة جداً إذا ما قسناها فقط بأنها أموال خصصت لدعم مشتركي قطاع الكهرباء، لكنها في الواقع غير ذلك إن أردنا التدقيق فيها وتناولناها بالأرقام المفصلة والحقائق المُتعلقة بها، فالدعم في حقيقته موزع على فئات من الحقائق بعضها مرتبط بالبنية التحتية للقطاع نفسه وتوسعتها لتقديم خدمات تشمل كافة بقاع السلطنة، أما بعضها فمرتبط بتكاليف التشغيل والكلفة الحقيقية للإنتاج والنقل والتوزيع، وبعضها الآخر مرتبط بفقدان الطاقة غير المستهلكة.
لذا فإنَّ الحقيقة الأولى تعني أنَّ الدعم موجه لبناء بنية تحتية جديدة متوسعة على نطاق واسع في السلطنة سيدوم لفترة زمنية طويلة وهو ما تحتاجه الحكومة في مستقبلها المتجدد من النهضة كما أنه مكسب نتائجه تظهر مع مرور الكثير من الوقت، أما الحقيقة الثانية فهي مرتبطة بتكاليف التشغيل والكلفة الحقيقية للإنتاج والنقل والتوزيع وفي هذا الجانب هناك شروحات نحتاج فيها لوقفة صريحة نبدأها من تفاصيل الشركات الحكومية القائمة على هذه الأعمال كرواتب ومزايا ومكآفات الموظفين مثلاً التي ازدادت دون أيِّ مُبرر سوى انتقالهم في تقديم الخدمة من القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص "الحكومي"، التعدد في شركات تقديم الخدمات له دور في زيادة تلك التكاليف فلكل شركة رئيس ومجلس إدارة يتبعه رئيس تنفيذي وإدارة تنفيذية... إلخ من تفاصيل الهياكل التنظيمية.
ومن التفاصيل أيضاً عدم تطور القطاع بمعنى التطور أكثر من انتقاله من منظم ومشرف واحد (الوزارة) إلى منظمين ومشرفين متعددين (هيئة وشركات) يسدون عقود الأعمال لشركات أخرى ثم إلى أخرى، أما الحقيقة الثالثة فهي مرتبطة بفقدان الطاقة إثر نقلها من وإلى، وهذا سبب معني بالفنيين أكثر مما يعنى به المستفيدون والمشتركون، فلو كان هناك تطور بالقطاع إلى حد ما لكان على الأقل يهدف إلى تقليل ذلك الفقدان بكل وسائل التطور في ذات القطاع.
ولنصل إلى توضحينا بأن رفع الدعم الحكومي عن الكهرباء هو كما يقال "تفسير الماء بعد الجهد بالماء" فهنا سنوجه العقول إلى الحالة الاقتصادية والآثار الإيجابية والسلبية إثر هذا الرفع؛ حيث إنَّ المؤشرات الاقتصادية المتاحة تشير إلى أن السلطنة الآن في حالة انكماش اقتصادي حقيقي وهي بصدد وضع خطط لتحفيز الاقتصاد حتى لا يصل إلى مراحل متأخرة من هذا الانكماش تؤدي إلى ركود، لذا فإنِّه إذا كانت الرؤية تشير للتوجه إلى تحفيز الاقتصاد فإنَّ رفع الدعم عن الكهرباء في هذا الوقت من الزمن يعني التعارض مع هذا التوجه، خاصة وأن ما نسبته 45% تقريباً من المستفيدين من ذلك الدعم هم الوحدات والمنشآت الحكومية والشركات والمصانع التجارية والفندقية والاستثمارات الزراعية والسمكية- فئة كبار المستهلكين- (حسب مؤشر التقرير السنوي 2018)، فرفع الدعم يعني حرفياً أن ما يخص الفاتورة الحكومية هو أن الحكومة نفسها ستقوم بدفعه، ولتفسيره بوضوح نقول إن أوقفت وزارة المالية الدعم فإنَّ جهة حكومية أخرى ستدفع قيمة هذا الدعم عنها، كما أن الشركات والمصانع والمنشآت الفندقية وغيرها، المتأثرة فعلا بالأزمة المالية والوبائية تخطط الحكومة ممثلة بوزارة الاقتصاد بمراعاتها في جوانب أخرى لتحفيزها، وذلك عبر وسائل وأدوات تحفيز تساعدها بها على النمو والانتعاش من آثار الأزمة المالية الحالية لينعكس بدوره على الاقتصاد الوطني العام، فمعنى ذلك أنَّ ما ستوقفه وزارة المالية من دعم ستسمح به وزارة الاقتصاد من موقع آخر، أما إذا لم تفعل الأخيرة ذلك فإنها ستتسبب بإشكاليات جديدة على الإيرادات أو "الاقتصاد الوطني" ككل ومنها على سبيل المثال عدم حصول جهاز الضرائب على الضرائب التي يتوقعها كضريبة الدخل مثلاً، كما سيكون تأثير ذلك مباشرة على وزارة العمل وجانب التوظيف لديها ما يعني ضعف قوة تشغيل العمانيين، وسيؤثر أيضاً على إنتاج وتشجيع المنتج العماني على المنافسة خاصة وأن دولا ما بها ركود ومشاكل اقتصادية ستتخذ على إثرها إجراءات مبتكرة وربما خيالية تنعش بها مصانعها وشركاتها للمنافسة في الأسواق العالمية ومنها سوق السلطنة.
النسبة الأخرى المُتبقية من المستفيدين من ذلك الدعم والتي تشكل ما نسبته 55% تقريباً هي الوحدات السكنية التي إن استقرأناها فإنِّها لمُلاك مواطنين وربما لمستثمرين يشتركون جميعاً في أنَّ أمامهم ثلاث ضرائب مستحدثة وجديدة عليهم، هذه الضرائب قد حسبت الحكومة الرشيدة عليها حساب الإيرادات المالية المتوقعة من أثر تطبيقها، إلا أنها ستلاقي تحديات جديدة؛ فالمستهلكون وكإجراء سلوكي من قبلهم سيواجهون هذه الضرائب بادي الأمر بقلة الإقبال على المشتريات والتسوق ما يعني قلة القوة الشرائية فإذا ما زادوهم بقرار رفع الدعم من المؤكد أنهم سيكونون أكثر تقوقعاً وقلة صرف، كما أنهم بسلوكهم الإنساني الصرف سيقابلون رفع الدعم عن الكهرباء وفاتورته بتقليصهم لاستخدام الكهرباء أي بمعناه في قاموس أهل الكهرباء قلة شراء الطاقة، أو قلة إيرادات شركات الكهرباء ليؤدي بها إلى عدم التوازن المالي، فيبدأ طلبها للدعم المالي مجددًا من قبل وزارة المالية بسبب ارتفاع الإنفاق على الإيرادات، لكنه سيكون أكثر مما سبقه لأنَّ المستهلكين لن يرفعوا استخدامهم للطاقة وسيسلكون طريقاً جديدة.
ولأنَّ الأحاديث تدور حول أصحاب دخل مالي ما معين، والذين سيتم منحهم الدعم، مقابل غيرهم سيعتبرون غير مستحقين لذلك الدعم، فإننا نرى أن ما نسبته 85% تقريباً من الذين يستخدمون عدادات كهرباء ويعتبرون ممن يستحقون الدعم على نوعين من الحال حال ميسور وحال مُعسر، فأما الميسور منهم مالك لمنزل أو شريك فيه بالأقساط البنكية، أما الآخر فغير مالك للمنزل مطلقاً ومستأجر له لكنه سيدفع فاتورة ما رفع عنه الدعم وهو في السجلات مُقيد بالمنزل الثاني المملوك لغيره هذا لكونه المستخدم الحقيقي للكهرباء وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها.
15% الآخرين ممن هم على قائمة المستهدفين من المشتركين حسب التصنيف أما أن يكونوا متعلمين وذوي خبرات حياتية واسعة أو يكونوا أصحاب دخول كبيرة، ولأنهم كذلك فإنهم سيستبدلون كل ما يعنيه الإسراف في استهلاك الكهرباء بأدوات ذكية وحديثة ومواكبة للعصر لتجعل عداداتهم لا تصل إلى مستوى المحدد من الاستهلاك الطبيعي وهو ما يعني عدم دفعهم أي زيادة على الإضافي من الاستهلاك، أما إذا لم يوجد أصلاً سقف للاستهلاك العادي فإننا بذلك سندخل في مصطلحات المواطنة والعدل.
وفي كل الأحوال ستكون النهاية عبارة عن قلة الإيرادات المالية لتلك الشركات المشغلة للكهرباء وبدورهم المنظمون سيكونون أمام خيارين؛ إما الدعم السخي مجددًا، أو أنهم سينتقلون بقوانينهم إلى فئات المستهلكين حتى يصلوا إلى المواطن البسيط واضعين الشروط المساعدة لإنجاح أفكارهم في كل مرة.