د. سيف بن ناصر المعمري
قُوبل ما سُمِّي بقرار "التصويت السري" لمناقشة موازنة 2021 بعاصفة من الغضب من قبل الرأي العام؛ تمَّ التعبير عنها في هاشتاج "#مِن_حقي_أعرف" لماذا تكون هذه الجلسة سرية وهي تتعلق بأهم شأن يشغل بال الجميع وهو الموازنة العامة للدولة؟!
وحتى نَكُون واقعيين، لم يكن هناك ما يبرر ردة الفعل هذه؛ فمناقشة الموازنة كان سريًّا خلال الدورات الماضية للمجلس، وما حدث هذا العام لم يكن استثناءً، أو مفاجأة واجه المجلس بها ناخبيه، ونتفهَّم الأسباب التي قادت لذلك في تاريخ المجلس؛ لكن لم يكن هناك مُبرِّر لما بدر من قبل بعض أعضاء المجلس باستثمار هذا الحدث من أجل تعزيز حضُورهم في ظل ركود المجلس، خاصة خلال هذا العام نتيجة ظروف جائحة كورونا، أو إظهار أنفسهم بأنهم أكثر حرصا ووطنية من المواطنين الذين رفضوا قرارهم بالتصويت السري للموازنة؛ فذلك يعد قفزا فوق الواقع الذي نعرفه جميعا، وإجحافا بحق هؤلاء المواطنين الذين دعموا خطة التوزان المالي، والإجراءات المتعددة التي سبقتها رغم تبعاتها بهدف أن يظل وطنهم قويًّا منيعاً، وهذه هي سمة المواطن العماني دائما لا يضع وطنه في كفتي ميزان إلا بعد أن يتأكد أن كفته ستكون الراجحة، لكن ما جرى كان له قيمة كبيرة ترتبط بأحد حقوق المواطنة، وأيضا متطلبات التنمية، والخروج من الإشكاليات التي نمر بها ألا وهو الحق في المعرفة، وهذا ما نود إثارة النقاش حوله في هذا المقال، لاعتقادنا أن هذا الحق هو ما يجب أن نتحاور حوله لا الجلسة الاعتيادية السنوية المجدولة بأنها سرية منذ توسيع صلاحيات المجلس في أعقاب 2011.
لا شك أن الحق في المعرفة وتداول المعلومات يعد حقا أصيلا من حقوق المواطنة التي تعمل الدول على تعزيزها لارتباطها بتحقيق قيمة جدا مهمة إلا وهي الشفافية، التي لا تعني فقط إطلاع المواطنين على ما تقوم به الحكومة في مختلف القطاعات، إنما تشمل إطلاعهم أيضا على طريقة اتخاذ القرارات، والسياسات المالية، وشروط التعينات، وأهداف كل مؤسسة في الدولة وسياساتها المتبعة لتحقيق ما حدد لها؛ وبذلك يُساعد هذا الحق على تمكين المواطن والثقة بنضجه ودوره وتفهم وفاعليته، أما إجهاض هذا الحق وحجب المعرفة وتغييب المواطن عما يجري تحت مبرريْ عدم النضج والتفهم، يُوقعنا في إشكاليتيْن؛ الأولى: متعلقة بالإخلال بمتطلبات رابطة المواطنة التي تعد الحق في المعرفة حقا لا يمكن تجاهله، أما الثانية فهي أكثر تأثيرا لأنها مرتبطة بتقويض قدرة المواطن على ممارسة الدور المتوقع منه في المشاركة في تحقيق الاستقرار وتدعيم التنمية من خلال قراءته لما يعرض من بيانات متعلقة بأداء المؤسسات المختلفة، وأيضا إنفاقها، وممارسة الرقابة عليها عن وعي من أجل تقليل فرص الإخفاق، وهنا تبرز العلاقة بين الحق في المعرفة والإصلاح الاقتصادي وممارسة المواطنة النشطة، وهو الهدف الذي يسعى الجميع لتحقيقه في هذه المرحلة.
وتتطلب هذه المرحلة تفعيل أدوار الجميع في إعادة تعزيز دور القطاعات المختلفة، والإسهام في خلق استدامة اقتصادية ومالية واجتماعية تقوم على تمكين المواطنين بأدوارهم المختلفة في تعزيز أداء المؤسسات، فهذا هو ما يعكس الشراكة التي تحتمها المواطنة، وتركز عليها الخطابات المتعلقة بمعالجة الوضع المالي، فلِمَ لا تنسحب هذه الشراكة أيضا على الرقابة وتداول المعلومات المختلفة وتوظيفها في معالجة أي خلل قد يظهر في القطاعات الإنتاجية والخدمية بما يكفل السير قدما للأمام وتحقيق الأهداف المستقبلية الضمنة في رؤية عُمان 2040؟
ترتبط فاعلية القطاعات المختلفة بوضوح الرؤية حول هذا الحق، والخشية أن بعض المؤسسات كما شهدنا في أكثر من مثال في الزمن القريب تعمل على تأطير نفسها بسياسات وتشريعات تمنع إتاحة المعلومات، أو دراستها، والخروج باستنتاجات حولها، وتعُد ذلك إساءة لها، أو أنها تقوم برفع قضايا على من يقومون بتوجيه ملاحظات على أدائها، ولا يفهم كيف يمكن أن يكون المواطن مسيئا إن قام بما يحتمه الواجب الوطني عليه من أن يكون عينا ساهرة على أداء المؤسسات؟ ألا يُعَد هذا قلبا لمعايير المواطنة وحقوقها بشكل عام، وإجهاضا لحق في المعرفة والمشاركة بشكل خاص؟
لا شكَّ أن المُتوقع من أعضاء مجلس الشورى ليس قيادة حالة استقطاب داخل المجتمع حول جلسة مقرر لها أن تكون دائما سرية، إنما قيادة تشريع ينظم عملية ممارسة المواطنين لحقهم في الحصول على المعلومات، ويتضمن عقوبات حجبها أو إعطائها مغلوطة عمدا، وتحديد آليات التظلم من رفض إعطائها، مثل هذا التشريع ضرورة من أجل غلق المساحة التي تتحرك فيها بعض المؤسسات من حظر المعلومات في قضايا تهم المواطنين تحت مبرر الحفاظ على الأمن الوطني أو عدم الإساءة للمؤسسة، أو التنمية، مثل هذا التشريع سوف يعزز من دور المواطنين، وأيضا مؤشرات أداء المؤسسات المختلفة.