متى تتكلم مسقط؟

إسماعيل بن شهاب البلوشي

كل شعوب الأرض وحضاراتها التي تعاقبت على الدنيا لم ولن تستطيع أن تخاطب العالم بالمجلدات من الكتب أو الإعلام الموجه عمَّا يمتلكون من ماضٍ وحاضرٍ وأحداث افتخروا بها بقدر ما تستطيع صخرة صماء بُني عليها جدار من طين كان لها رواية تناقلتها الأجيال وأعادت صياغة حفظها، وكان من بينهم في كل زمان من يجيد الإشارة إليها بشغف وحب ويُوضح تلك الجوانب بسجيته وبلهجته بلكنةٍ في صوته والتي هي إضافة لا يملكها غيره.

فماذا لو كانت الرواية مسقط العامرة؟ ماذا لو جسّد اقتحام الجلالي والميراني من رجال عُمان كما تدرسّه المدارس الغربية بأنَّه من أصعب وأعقد الهجمات في التاريخ حيث كان المدافعون في الأعلى والمهاجمون يصعدون إليهم غير مُبالين بغزارة النيران وانعدام الساتر والعدد الكبير الذي سقط منهم يوم أن كان الهدف الأسمى عزة عُمان، هذا موقف واحد وموقع واحد فمن الذي لديه المقدرة على أن يظهر كل مواقع عُمان التي شهدت مواقف يشيب لها الشباب ويخضع إكراماً لها أصحاب الفكر والعباقرة، ماذا لو أنه بطريقةٍ احترافية في تلك الجبال الجميلة صممت منطقة مشاهدة تكون جزءاً من حركة السيّاح في كنوز مسقط بشكل منظم وتمَّ تطبيق بيان عملي ورمزي لذلك الهجوم.

فبالله عليكم جميعاً، ماذا ينقصنا أن تكون مسقط واجهة سياحية منظمة نوظّف فيها مآثر من التاريخ ومواقع وكنوز وموروث غير مادي لا تملكه إلا عُمان وبإيدٍ عُمانية صياغةً وإخراجاً وعملاً والبعد كل البُعد من استيراد الخبرات التي تحاكي تجاربها وحسب لأن في عُمان وأقولها بكل ثقة من يستطيع عمل كل ما نتمنى ونطمح وبكل اقتدار، فإذا كانت الكثير من دول العالم استطاعت أن تصنع دون ما تملك أصغر خامة للصناعة وتقدمت دول العالم ودول سخّرت الإرادة وحسب لخلق جو متكامل للسياحة بل أن تكون واجهة سياحية فتحت آفاقاً متكاملة للدخل الوطني وأنارت وأظهرت للعالم أوطانها وتاريخها، فكيف بمن يملك كل شيء وينام على كنوز عظيمة وفي الكثير ولا يسخرها لجعل السياحة رافداً هاماً لطموح الوطن فهل ننتظر السماء أن تمطر علينا الذهب؟ أم هل ننتظر ليتصدق علينا أحد في حين أن أبناء عُمان جميعاً متعطشون للعمل في هذا الجانب حباً لسُلطانهم ووطنهم؟!

اليوم وعندما نجلس سوياً ونتبادل السؤال لماذا يختار السائح عُمان، هل لمن يعنيهم الأمر وبيدهم المسؤولية المقدرة على الإجابة الحقيقية والعملية والمرضية أم أن هناك تضاربا كبيرا في تنوع المسؤوليات..ماذا تعني عمان للسائح هل هي تلك القلاع التي جلّ معناها جدران صامتةً صامدة وبين جنباتها تاريخ يصرخ يريد أن يقول للعالم إن عمان عظيمة، أم تلك الأسواق التقليدية والجبال والرمال والشواطئ ولكن ماهي الفعالية التي تحاكي الماضي والحاضر والخصوصية العمانية.

عندما ترى دولاً أوروبية مثلاً لا تحتاج للسؤال فيها أين تقع الأماكن السياحية، إنما عليك أن تلحق بتلك الأفواج العظيمة وتسير معها، نعلم تماماً أن تلك الجموع البشرية أتت لتعيش ثقافة وتاريخ تلك الدول حيث إن معالمها ربطت بأسلوب راقٍ ومنظم وبجهد أقل مما نتوقع جميعاً، لأنَّ العالم متعطش لرؤية الجديد ونحن في عُمان لسنا في حلم إنما على يقين أننا نمتلك مقومات أكبر وفعاليات ترقى للعالمية في كل شيء، إنما فقط نحن بحاجة إلى الثقة في ذلك ورفع سقف الطموح إلى أبعد بكثير مما هو عليه اليوم، وأكرر دوماً إن عصراً إنفاق الملايين التي عملت بديلاً عن عقولنا لفترة طويلة من الزمن، يجب أن يتوقف ونعمل بإبداع وجهد وسهر لكي نصل إلى ما نريد، وبأقل كلفة وبالمؤسسات جميعها دون استثناء، وأن يتوفر كل شيء مما نملك بعيداً عن قوائم تعجيز الحكومة من خلال طلب المال وإني أعدكم جميعاً وإن بدأنا في ذلك فإنَّ الكثير ممن هم في الواجهة اليوم سيختفون من أنفسهم ولن يواكبوا ذوي الكفاءة من المبدعين وسينظر إلى الصفوف التالية من أبنائنا مبدعون فكراً وعملاً وعطاءً سيثلّج صدر عُمان وقائد عمان حفظه الله، وأخيراً فإني لن أملّ الكتابة في هذا الأمر حتى يجف قلمي أو تتحدث مسقط..وتليها كل ولايات عُمان لأن كل شبر في عُمان تاريخ يستحق أن نخلده.