ترامب وبايدن وجهان لعملة واحدة؟!

 

جمال الكندي 

العالم يترقَّب وينتظر مُخرجات انتخابات الرئاسة الأمريكية فهي ترسم علاقة أمريكا بحلفائها ومنافسيها وجرت العادة إذا فاز نفس الحزب الحاكم فهناك تغير في السياسة الأمريكية من سياسة اندفاعية صدامية إلى سياسة القبول بأوضاع سياسية مُعينة كانت أمريكا فيها صلبة بسبب الدواعي الانتخابية خاصةً في شخصية الرئيس، فهي كما تصنف قائدة بلدان العالم الحر وحامية حقوق الإنسان. لذلك فهذه الانتخابات مُهمة لحلفاء أمريكا الذين يرسمون سياساتهم بحسب من يحكم البيت الأبيض سواء أكمل ترامب  أو جاء جو بايدن  فكلا الشخصيتين لها تكتيك مُعين في إدارة الصراعات والمصالح في المنطقة بحسب الانتماء الحزبي (الجمهوري- الديمقراطي) مع بقاء الاستراتيجية الأمريكية الخارجية ثابتة تصنع في غرف الدولة العميقة، بالمُقابل هي مهمة لخصوم أمريكا كذلك لنفس السبب.

من هنا نقدر أن نتحدث عن شقين أو نظرتين بالنسبة للشخصيتين ترامب وبايدن وهي: نظرة حلفاء أمريكا إلى هذه الانتخابات ومن يرجحون فيها، وهذا طبعاً حسب مصالحهم، وحتى ولو كانوا من الحلفاء فالتعامل يختلف من رئيس ينتمي إلى الحزب الجمهوري وآخر للحزب الديمقراطي، ونظرة خصوم أمريكا.

الانتخابات الرئاسية الأمريكية تختلف عن الانتخابات الرئاسية في مُعظم دول العالم كونها انتخابات غير مُباشرة في اختيار الرئيس، فالمرشح الذي يحصل على أكبر عددٍ من أصوات الناخبين لن يكون بالضرورة الرئيس القادم للبلاد، بل سيظل مصيره مُعلقاً بيد مجموعة تسمى المجمع الانتخابي أو الكلية الانتخابية وهم عبارة عن مجموعة من الأشخاص يتم ترشيحهم من كل ولاية ليصبحوا مُمثلين لها في فترة الرئاسات، ويختلف عدد الأعضاء حسب عدد سكان كل ولاية، فالمندوبون عددهم 538 موزعين على حسب البرلمان الأمريكي، وولاية واشنطن العاصمة التي لا تمثيل لها في البرلمان. فهم 435 بعدد مجلس النواب، و100 بعدد مجلس الشيوخ، 3 للعاصمة واشنطن (مقاطعة كولومبيا)، ومن أجل أن يفوز المرشح في الانتخابات عليه أن يحصل على نصف العدد الكلي للمندوبين زائد 1، أي في هذه الحالة لابد أن يحصل على 270 صوتاً، وفي معظم الولايات عندما يفوز المُرشح بالتصويت الشعبي، فإنِّه يحصل على أصوات جميع مندوبي تلك الولاية، فعلى سبيل المثال لو أنَّ الناخبين في إحدى الولايات منحوا 850 ألفاً من أصواتهم لصالح المرشح س، بينما حصل المرشح ص على 600 ألف صوت فقط، فإنَّ جميع مندوبي الولاية سيمنحون أصواتهم للمرشح س. وهناك أمور أخرى مُعقدة في حرية تصويت المندوبين، بوجود فرضية عدم التصويت من قبل المندوبين للحاصل على أعلى عدد من الأصوات الانتخابية واردة، وبعض الولايات الأمريكية تعاقب من يفعل ذلك وتجبرهم على ترشيح من فاز بأصوات الناخبين.

حلفاء أمريكا ينظرون إلى شخصية ترامب، وبايدن بتباين في وجهات النظر في أيهما أفضل للمرحلة القادمة. فإذا نظرنا للحليف الأوروبي وهو حلف تقليدي منذ الحرب العالمية الثانية فشخصية الرئيس ترامب الجمهوري بالنسبة له كانت صعبة التَّعامل فالرجل متقلب المزاج، ففي فترة رئاسته الأولى خرجت أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران الذي تمَّ التوقيع عليه من قبل مجموعة خمسة زائد واحد بعد مفاوضات ماراثونية، وهذا سبَّب حرجاً للأوروبيين وأدى بهم للتعامل مع إيران خارج الدائرة الأمريكية لإيجاد بدائل جديدة لها تثنيها عن مواصلة عملية تخصيب اليورانيوم بعد، خروج أمريكا من الاتفاق النووي.

خروج أمريكا من عدة اتفاقيات دولية أخرى خلقت أزمة ثقة مع الشريك الأوروبي، لذلك الأوروبيون ينظرون إلى الرئيس ترامب على أنَّه شريك متقلب المزاج السياسي بالمقابل، فوز بايدن يعني لهم عودة الدبلوماسية الأمريكية المُتزنة في تعاملها مع الحليف الأوروبي وفق أدبيات الحزب الديمقراطي، وفرصة العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران هي كبيرة وتحمل معها اتفاقات اقتصادية مُهمة للطرفين الإيراني والأوروبي، وترامب كان المعطل لهذه الصفقات بسبب العقوبات الاقتصادية على إيران.

نظرة الحليف الإسرائيلي لترامب، بأنَّه حقق أكبر المكاسب للكيان الصهيوني ففي ظل رئاسة ترامب حقق مكاسب كبيرة للكيان الصهيوني من اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ودعم الاستيطان بالضفة الغربية، والمُوافقة على ضم الجولان السوري المحتل إلى إسرائيل، وأخيراً التطبيع الإمارتي، البحريني، السوداني مع الكيان الصهيوني.

هذه الإنجازات الإسرائيلية في فترة رئاسة ترامب الأولى هي التي تقوي موقف نتنياهو أمام خصومه السياسيين، مع أنَّ شريحة في الداخل الإسرائيلي  مازالت تتظاهر كل يوم ضد نتنياهو، ولم يشفع له ما حققه من إنجازات وتقول بأنها كانت من أجل تقويته وضمان مستقبله السياسي،  فهي علاقة خاصة بين ترامب ونتنياهو دفع ثمنها الأخير بدعم مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2012 ميت رومني ضد أوباما والمرشح الجمهوري ترامب ضد هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية عام 2016م، وهذا السلوك أغضب الديمقراطيين، ولكن بالنسبة لنتنياهو ترامب هو المكسب السياسي الكبير له في حالة فوزه بالرئاسة وسوف تتعزز فرص بقائه في رئاسة الوزراء في ظل وجود ترامب بعكس إذا ما فاز بايدن بالرئاسة .

أما الحليف الخليجي، وهنا نتحدث عن دولة لها علاقات وطيدة وحميمة بالرئيس الأمريكي عن باقي الدول الخليجية، وخاصة العلاقة الخاصة التي تجمع ترامب مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. لذلك فبقاء ترامب لفترة رئاسية ثانية امتداد لهذا الغطاء، ودعم كبير للأمير محمد بن سلمان. أما وصول بايدن للرئاسة فسيقلب الأوراق على الحلفاء الخليجيين الذين يعولون على دعم ترامب لهم في مشاريعهم الداخلية والخارجية، فترامب- حسب كثير من المُراقبين السياسيين- هو الأفضل للدول الخليجية المطبعة مع إسرائيل والسعودية من بايدن.

بالمُقابل يوجد نظرة منافسي أمريكا في المنطقة (روسيا والصين) وهناك كذلك تباين في وجهات النظر في الشخصية التي يفضلونها في الوصول إلى البيت الأبيض في الانتخابات القادمة، فروسيا تجد في شخصية ترامب الشخصية الهزلية التي تُؤثر في قيادة أمريكا للعالم وعند حلفائها الأوروبيين، ويوجد هناك وجه مُقارنة بين ترامب وحقبة يلسن رئيس روسيا الأسبق الذي كان أضحوكة الغرب، لذلك ترى روسيا وصول ترامب للرئاسة الثانية الاستمرار في زعزعة الصورة الأمريكية له كقائد للعالم الحر، وهذا يصب في مصلحة روسيا خاصة بوجود مزاعم بتدخل روسي لصالح وصول ترامب للولاية الثانية.

أما الصين فهي تنظر لترامب بأنَّه شرس في محاربتها اقتصادياً بسبب نظرة ترامب للصين، وبأنها منافس اقتصادي خطير يُهدد أمريكا خاصة في مجال التكنولوجيا، والحرب الخفية والمعلنة بين الصين وأمريكا في ظل الرئيس ترامب دليل على ذلك.

والسؤال هنا هل شخصية بايدن ستكون بنفس عداء ترامب؟ أم هي مُختلفة ولها تكتيك مُغاير في محاربة الصين تجارياً؟ عموماً الصين هي المنافس الأول لأمريكا في الاقتصاد وبين البلدين معارك اقتصادية سواء في الحكم الجمهوري أو الديمقراطي، ولكن ربما الطريقة الديمقراطية تختلف عن الجمهورية، وهذا سيظهر إذا ما فاز بايدن بالرئاسة.

استطلاعات الرأي الأمريكية الأخيرة تظهر تقارباً بين بايدن وترامب بعد أن كان بايدن متقدماً بعشر نقاط تقريباً، وكان هذا الفارق سيُعطي أريحية للمرشح الديمقراطي بايدن للوصول إلى البيت الأبيض.

نحن نعتقد بأنَّ ترامب وبايدن وجهان لعملة واحدة، أمن إسرائيل ونهب ثرواتنا الباطنية، الفرق بينهما في التكتيك وليس في الإستراتيجية، الأول سياسته قائمة على أن أمريكا أولاً فكانت فجة حتى مع حلفائه، والثاني سياسته تقوم على عالمية أمريكا في داخلها أمريكا أولاً هو تكتيك ديمقراطي؛ فالمرشحان هما وجهان لعملة واحدة.