المتقاعد.. وتعميم البنك المركزي بجدولة ديونه

عبدالمجيد بن يحيى الراشدي

تَرافق مع قرار الإحالة الجبربة لعدد كبير من الموظفين العموميين بالدولة للتقاعد بعض المشكلات المالية للبعض منهم، كون القرار كان فجائيًّا ودون إعلان مسبق؛ وذلك لأنَّ معاشات التقاعد لا تكفي لدفع أقساط الديون للبنوك ولتدبير أمور حياتهم المعاشية المثقلة بالالتزامات المتعددة، ولأجل ذلك صدر منذ فترة تعميم من البنك المركزي إلى كافة البنوك والمصارف بالسماح بمد أجل دفع الدَّين إلى عمر السبعين، وهو ما يسمح للمتقاعد بمد فترة السداد لعشر سنوات أخرى، وهو ما يسمى بجدولة الدَّين، وكان بشرى أمل للمتقاعدين لاعتقادهم أن جدولة ديونهم ستتم مع ثبات مبلغ الدَّين وعدم الزيادة عليه، من باب التيسير عليهم ومن باب أملهم في رعاية الحكومة لهم.

والمقصود بجدولة الدَّين هو زيادة أجل سداد الدَّين مقابل زيادة مبلغ الدَّين، ويتم هذا الأمر عادةً بناء على طلب المدين الذي يواجه صعوبات في السداد والوفاء بالتزاماته المالية تجاه الدائن في آجال استحقاقها، ويتم إعادة الجدولة باتفاق وتراضِ بين الدائن والمدين وبعد مفاوضات عسيرة في بعض الأحيان نظرا لتضاد أهداف كل طرف منهم، وتحقق عملية إعادة الجدولة في الأصل إن جرت وفق أصولها المتعارف عليها، مكاسب للمدين والدائن معا؛ فهي من جهة تمكن المدين من خفض قيمة خدمة الدين (بفضل انخفاض سعر الفائدة أو تمديد فترة السداد أو هما معا) إلى مستويات قابلة للتحمل، ومن جهة أخرى تتيح للدائن فرصة استعادة أصل دينه مع قليل من الفائدة إن أمكن؛ لأنَّه في حال رفضه ربما لن يتمكن استرداد ماله، وهذا الأمر جيد للطرفين لتفادي إعلان الإعسار أو الإفلاس وخوض معترك التقاضي الذي قد يطول أمده.

وعودةً لتعميم البنك المركزي، فإنه وبوضعه الحالي وهو بمنح البنوك مد أجل السداد ودون فرض أي قيد عليها بشأن كلفة الدَّين المترتبة على زيادة المدة، سيحمل المتقاعد أعباء مالية إضافية مرهقة؛ إذ بزيادة المدة وخفض القسط ستزيد تكلفة خدمة الدَّين وسيذهب الجزء الأكبر منه لسداد الفائدة والجزء المتبقي لسداد الدَّين وهو ما سيطول أمد سداده، والتعميم بذلك يظهر أن باطنه الرحمة لهم بينما داخله النقمة إن جاز هذا التعبير، ولم يعطِ المتقاعدين أي ميزة، وفي الجانب الآخر أعطى التعميم البنوك ومؤسسات التمويل فرصة ذهبية للحصول على أرباح إضافية دون أي عناء أو دعاية أو تكاليف إضافية، وكان من المناسب اعتبار المتقاعدين من المتعثرين في السداد، وأن يقوم البنك المركزي بالإنابة عنهم الدخول في مفاوضات مع البنوك والحصول على أفضل العروض منهم، أو بإلزامهم بمد أجل دفع الدَّين دون تكلفة إضافية أو على أقل تقدير بتخفيض تكلفته من نسب الفائدة أو غيره من المسميات المماثلة، واعتبار هذا الأمر من الواجبات الاجتماعية للبنوك، وسيحقق لها دعاية واسعة، وسيعطي انطباعا طيب عنها لدى المجتمع.

التقاعد لم يكن اختياريا للموظفين، ولا اعتراضا عليه إن كان يحقق مكاسب أخرى تراها الحكومة تحقق الصالح العام، لكنه كان يجب على الدولة مشاركة المواطن في تحمل جزء من أعبائه؛ لذلك نرجو من الدولة الحانية والكريمة دوما على مواطنيها ممثلة في البنك المركزي، إصدار تعميم جديد معدل للتعميم السابق، وإلزام البنوك بإعادة الجدولة لمن أراد من المتقاعدين، على اعتبار أنَّه من المتعثرين في السداد، وبدون أي تكلفة إضافية على المتقاعد لخمس سنوات فقط، أو المدة التي تراها الدولة مناسبة، وتتحمل هي مع البنوك جزءًا من تلك التكلفة، وفي كل الأحوال يجب أن لا يزيد القسط المدفوع من المتقاعد عن 50% من المعاش، تيسيرًا عليهم وامتنانا لهم لما قدموه للدولة أثناء خدمتهم الطويلة، وحتى يستطيع المواطن المتقاعد مواصلة العيش بكرامة وعِزَّة وهو مُمتن لبلده التي سيرى فيها أنها معه في الضراء قبل السراء، كما أنَّ المقترح سيُسهم في تفادي إقامة الدعاوى ضدهم، ودامت عُمان بلد المجد والفخر.

تعليق عبر الفيس بوك