جدتي!

وداد الإسطنبولي

"لوفاتها في يوم (10/ 11/ 1995) أشرقت في نفسي سيل الكلمات المكنونة المختزنة في النفس، استطاع القلم أن يبرز عطاء ما استطاع إليه سبيلا من رغبات مكبوتة ينشرها على سطوره في ساحته البيضاء، فهل استطاع أن يلبي حاجتي ورغبتي وتشويش ما أنا عليه بين السطور.

والأقدار تتوالى وتتشابه في مجريات الحياة فالموت هو الموت لم يتغير وجهه ولا صيغته، ولكن الأرواح التي تتطاير صورها هي من تتغير، وتظل الكلمات ثابتة كالموت لا تتغير، فالشعور الحي يبقى جميلا،  وإن كان مؤثرا فقلت يومها: "رغم إننا نكره الحق، إلا أنه قريب من نفوسنا ولربما يجري في دمائنا متخبطا، مترنحا، مختالا، ويقضي متى ما أراد له المراد أن يقضي به، تلك اللحظة العصيبة المرة، التي تجعل قلوبنا تشهق تستنزف قطرات دم عميقة تسيل من نفوسنا، وموجة تتراقص حزناً أجد صرخاتها صدا يشق الصخور".

وتلك الضحكة الجميلة التي تزف طريقها عبر الشفاه، أمست رمادا تحرقها،  والدمع يطفئ ما يحرك تلك الخلجات المغروسة، شوق جارف يرتسم على محيا العيون، وذكرى!!! نعم أضحت ذكرى ممزوجة بالفرح والألم، ذكرى دفنت تحت الثرى.

هذه الذكرى التي كانت بالأمس قريبة، وقريبة جداً لدرجة الإحساس بها، لأنها رسخت حولنا طابعا ملموسا في كل ركن من أركان الزوايا المحيطة بنا، أمسى هذا في عالم الغيب،  وفي عالم النسيان مع مسيرة الحياة، ليس سوى تلك اللحظات التي ستفجر بركاناً يستعيد أجمل اللحظات وأروعها فيما كان.

وإن كان أصعب إحساس نعايشه هو الإحساس بالرحيل على أمل لقاء قريب، لأنَّ هناك طاقة هائلة في نفوسنا تحركنا، تنعشنا، تدعمنا على اللقاء، فماذا نسمي أصعب إحساس للوداع الأبدي؟

وإن كان هذا البعد اشتياقاً ومع الاشتياق يكتشف حقيقة الشعور..  فماذا نسمي عند إذن ذاك العارم في الشوق يحتضن مشوقه ويجده سراباً..!.

لا تنقضي مع الحق أحلامنا فقط، وإنما ينقضي الإحساس برحيل عزيز.

فقد رحلت، وودعت، وحفها الليل بهمسه والتراب بدفئه، مخلفة وراءها أجمل لحظة، لحظة التذكر، وأروع وداع، وداع الجسد.

تعليق عبر الفيس بوك