المرأة العُمانية المطالبة بالتمكين ورفع الإنتاجية

علي بن سالم كفيتان

لقد أبهرني كثيراً الكم الهائل من التَّفاعل مع حلول ذكرى اليوم السنوي للمرأة العُمانية هذا العام الذي يُصادف السابع عشر من أكتوبر حيث تميَّز عن غيره بتكريم السيدة الجليلة لنُخبة من العُمانيات في ذلك النهار الجميل ولم يخلو الحدث من الترقب والانتظار لمعرفة الشخصيات اللائي تمَّ اصطفائهن لهذا الشرف العظيم من جميع مُحافظات البلاد فكل واحدة منهن تُؤمل نفسها بالسلام على أم العُمانيين التي ستظهر للمرة الأولى ولا نلومهن على الشعور بالشغف لكننا نسأل... ماذا قدمت كل واحدة منهن للوصول لهذا التكريم؟   

ستأخذني الأيام بعيدا واسمحوا لي باجترار شيء من الماضي قبل الإجابة على هذا السؤال ونذهب إلى السيدة الجليلة أم السلطان قابوس رحمها الله حيث نجدها شخصية سياسية فاعلة ساهمت في إرساء الاستقرار فكانت تستدعي المشايخ وتجلس مع الفرقاء في الساحة الداخلية وتُشجع الوقوف مع خيار بسط الدولة المدنية واستتباب الأمن ولا زالت الذاكرة تأخذني ليوم خريفي كنت فيه في بيت أحد المشايخ الكرام -رحمه الله- بالصدفة المحضة فقال لي تعرف تسوق؟ فأجبت بنعم فقال هذا مفتاح السيارة فلبس خنجره وأردف بشته على ظهره وقال خذني إلى بيت السيدة ميزون بنت أحمد فأجبته وأين يقع؟ قال بهدوء سأدلك عليه وقادتنا الطريق لقصر الرباط حيث دخل الشيخ ومكثت أنا عند الحرس وأثناء ذلك الانتظار زاد عددنا نحن السواقين المُقليين للمشايخ بينما هم يتوافدون للداخل وللأمانة لقد كان الحرس كرماء معنا لدرجة أننا لم نحس بمرور أكثر من ثلاث ساعات حيث خرج الجميع يقلهم باص واحد وتوزعوا على سياراتهم الرابضة في موقف القصر عندها اندهشت فسألت الشيخ على استحياء كيف حال السيدة؟ قال إنِّها بخير ولكننا سنضطر اليوم للقيام بجولة إلى ريسوت ومنها إلى الجبل للقاء بعض المشايخ قلت في نفسي... يا الله إنها مهمة كبيرة... وبالفعل قام الشيخ بمهماته المكوكية تلك وأنا اكتفيت بدور السائق فقد كان حريصاً على إبقائي بعيداً عن كل ما يطرحه مع من يقابلهم في ذلك النهار الطويل ولم نصل عوقد إلا قبل المغرب بقليل ولكم أن تتخيلوا ما هي مهمة هذا الشيخ في ذلك الوقت العصيب.

من حق كل سيدة عُمانية أن تُفاخر بالأدوار التي لعبتها الأمهات والجدات في وقت كانت فيه الفرص معدومة ومع ذلك صنعن المستحيل وقدمن تضحيات لا يمكن نسيانها أو مُقارنتها بسيدات اليوم الطامحات للمساواة بالرجل فحسب إلا أنَّ النتائج على الأرض لم ترقَ للطموح المعقود عليهن فلا زالت المرأة تهتم بالشكليات إلى حد كبير فمعظم القطاعات التي استلمتها تعاني من تراجع الأداء كحلقة التعليم الأساسي التي انتقلت إلى معارض أزياء أكثر منها بوابة لتنشئة الأجيال فعندما تدخل لمدرسة من هذه الفئة لن تتفاجأ باختفاء النساء كونهن في كامل زينتهن وسوف يبهرك تحول المكاتب لمحلات بيع الشيلات والإكسسوارات وغيرها بينما تشتكي لك المديرة والمُشرفة من غياب الإمكانيات وتراجع التحصيل وكل ذلك يلقى به على عاتقك أنت ولي الأمر ولا عجب أن يكمل الطالب أو الطالبة 4 سنوات ولا يعرف اسمه أو حتى يستطيع تجميع عددين فرديين وعندما تدخل في مناقشة مع الإدارات التعليمية يقذفون باللوم على المدارس، وهنا غابت عدة أجيال يفترض بها أن تكون متعلمة العلم الصحيح... وجدير بنا ألا نعمم فهناك تجارب ناجحة لكنها نادرة.

لا زالت المرأة تنتخب الرجل في مجلس الشورى والمجلس البلدي لأنَّها تعلم لا شعوريا أنها ليست مستعدة رغم سعيها الحثيث للمساواة في كل شيء وهذا حقها طبعاً ولا زالت النساء اللائي وضعن بصمتهن في الحياة العامة قليل، فعلى المستوى الإعلامي يظل صوت منى محفوظ هو الطاغي وبرلمانياً طيبة المعولي هي من لامست الجميع واقنعتنا بأنَّ السيدة البرلمانية العُمانية تستطيع الذهاب بعيدا في حين وضعت حنينة المغيرية نفسها كواحدة من أقوى الدبلوماسيات على المستوى الدولي وليس العربي فقط وكانت راجحة بنت عبد الأمير وزيرة عُمانية افتتحت مشوار صاحبات المعالي ورسمت صورة بانورامية للسيدة الوزيرة، بينما كانت فخرية خميس سفيرة الدراما العُمانية وجوخة الحارثية نقشت اسم بلادها في سجل جائزة البوكر العالمية كل هؤلاء وغيرهن ساهمن في رسم لوحة الخمسين عاماً الماضية.

يجب أن تنطلق المرأة وتتحرر من المُطالبة بالحق الموازي للرجل إلى التنافس معه ففي الوقت الذي تبحث فيه عن ميزات يجب أن تضاعف من قدر الإنتاج فهناك من يعتقد أن الإنتاجية تذهب لصالح الرجل في ظل كل تلك التسهيلات والتمكين الذي تحظى به منذ 50 عاماً ويقول البعض إن السيدة تطلب الوظيفة لأجل الوظيفة ومن ثمَّ تبحث عن التقاعد في أقرب محطة وتطالب بالحصول على أرض وتبعيها قبل أن تستلم ملكيتها وهذه مؤشرات يجب التوقف عندها لتقييم جدية السيدات في صناعة المستقبل في بلادنا.