العام الدراسي.. بين التطمين والمخاطرة

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

في هذه الفترة من الأعوام السابقة كان مُعظم الكتّاب يتناولون موضوعات تتعلّق بالدراسة، والمدارس، وتحذّر من ازدحام الباصات، ومن تكدّس الطلبة، ومن نسيان الطلبة في الحافلات، ومن طلبات المدرسين والمدرّسات الزائدة عن الحد، ومن الحقائب المدرسية التي تعيق حركة الطالب، ومن أمور أخرى كانت مثار النقاش، وحديث المجالس، وتقض مضاجع أولياء الأمور، أما في هذه السنة الدراسية "الاستثنائية" فالأمر يتعلق بشيء مختلف تمامًا، ولم يخطر على بال أحد، وهو التحذير من الدراسة نفسها في ظل تفشي جائحة "كورونا"، ومخاوفها الكارثية.

فوزارة التربية والتعليم ترى أنَّه لا ضير من بدء الدراسة بشكل أو بآخر، وابتكرت نظام "نصف دراسة عن بُعد، نصف دراسة قُرب"، وهو نظام يشبه إلى حد بعيد نظام النظر بنصف عين، وأعطت المُديريات حرية التصرف في تطبيق ما تراه مناسباً لمدارس المحافظات، وهو "تخويلٌ" لا يعفي الوزارة من مسؤولية المُحاسبة كما يعتقد البعض، فالدوام النظامي يعني المجازفة بأرواح وصحة الطلبة، والمخاطرة بتفشي المرض على المستوى العام، لا قدّر الله، أما الدراسة عن بُعد فرغم أنَّها أقل تكلفة على المستوى الصحي والاجتماعي، إلا أنها أكثر كلفة على المستوى التعليمي، بل إنها تحتاج إلى بنية أساسية قوية، حتى يتمكن المعلمون والمعلمات والطلبة من التفاعل، والاستفادة من الدروس المُباشرة، وهي تُظهر الحاجة إلى نظام اتصالات قادر على الثبات، والاستمرارية، وتفترض متوسط دخلٍ مُحترم لأولياء الأمور، لشراء أجهزة الحاسوب، ودفع فواتير شركات الاتصالات، وهي أمور قد لا تكون مُتاحة في الوقت الحالي، مما يعني أن نسبة كبيرة من الطلبة ستتأخر دراسياً، أو تتسرّب من الدراسة، لعدم كفاءة شبكة الإنترنت، أو لقلة ذات اليد لولي الأمر، فهو يحتاج إلى جهاز حاسوب لأكثر من ابن أحيانا، وهو ما لم توفّره الحكومة، ولم تساعد في توفيره، حتى مع وجود نظام أقساط ميسرة من بعض الشركات، فظروف كثير من أولياء الأمور غير مُناسبة، خاصة مع جائحة التقاعد التي أصابت كثيراً من موظفي الدولة، وتسريح الموظفين من الشركات الخاصة الذي أدى إلى تصنيف كثير من الأسر في خانة "الأسرٍ المعوزة".

الوضع الدراسي صعب للغاية، ولا أعتقد أن لدى وزارة التربية والتعليم حلولا ناجعة غير التي أعلنتها، وهي بكل تأكيد تتحمّل تبعاتها سواء السلبية أو الإيجابية، فتأجيل الدراسة ليس حلا، والدراسة النظامية الصفيّة معناه مجازفة حقيقية بأرواح وصحة الطلاب والمجتمع، والدراسة عن بُعد في ظل ظروف شبكات الإنترنت له انعكاسات غير حميدة، ولكنه أقل الحلول المرحلية المطروحة خطراً، وأكثرها منطقية، فكثير من الجامعات العالمية المعروفة أصبحت تعتمد نظام الدراسة عن بُعد، وتشجّع عليه، فما بالك بصفوف المراحل الدراسية المختلفة؟!

لقد جازفت بعض الدول بعودة الدراسة النظامية ولكنها عادت وأغلقت المدارس بعد أن فقدت السيطرة على تفشي المرض في أوساط المدرسين والطلبة، ولم يكن الوضع أفضل حالا لدينا حين بدأ المدرسون الدوام الرسمي قبل مدة، ورغم ذلك نُصرّ على سياسة "مناعة القطيع"، والتي ستُكلّفنا على ما يبدو كثيرا، سواء على مستوى الأفراد أو الاقتصاد، أو الصحة المجتمعية، ونسأل الله السلامة للجميع، فالوضع الذي أفرزته جائحة "كورونا" وضع معقّد، ومحيّر فعلاً، ولا أعتقد أنَّ لعب دور البطولة في هذه الأزمة العالمية سيكون دون تكلفة باهظة جدًا، قد لا تكون في الحسبان، وفي هذه الحالةـ وبسبب كوروناـ فإنَّ المُحاسبة ستمر مرور الكرام، فالعذر "الكورونيّ" جاهز، "ومن اجتهد وأخطأ فله أجر"، والخاسر الأكبر لن يكون سوى الطالب، وأولياء الأمور، والوطن..فقط.