يوم "المرأة"

عائشة بنت أحمد بن سويدان البلوشية

 

يوم أن نزل جبريل عليه السلام أوَّل مرَّة على رسولنا صلوات ربي وسلامه عليه وآله، كانت خديجة بنت خويلد عليها سلام الله أوَّل من آمن بالرسالة، لتكون أول امرأة آمنت بالله، وهنا يأخذني التفكير وأتذكر أبانا آدم عليه السلام عندما أحس بالوحشة، ليستيقظ من نومه وقد خلق الله تعالى حواء لتكون له السكن وأنيسة وحدته، وتلد له البنات والأبناء، هنا في هاتين الصورتين كانت المرأة هي الملاذ وهي المرآة التي تعكس الصورة الهادئة لزوجها الوجل، فيطمئن قلب كل منهما بأنَّ الله قريب يستمع إلى ما في صدره، ليبعث له هذه المخلوقة التي أنشىء معها البشرية في موقف أبي البشر عليه السلام، وينشىء نبينا عليه صلوات الله وسلامه آخر الرسائل السماوية وزوجته المحبة تُؤازره.

مضت المرأة العمانية في حضورها البارز عبر الأزمنة، مسطرة اسمها إلى جانب الرجل، ولم تبخس حقها في كل محفل، فجميعنا قرأ عن الملكة شمساء التي حكمت عُمان قبل أربعة آلاف عام، وقد ازدهرت التجارة وصناعات المعادن في عهدها، وتلتها في الذكر بعد ذلك الملكة مريم التي حكمت قلهات، ولازالت آثار وجودها باقية حتى يومنا هذا، فقد اتسم عهدها بالعمارة الجميلة، وانتشار السواقي التي تنقل المياه إلى الحواضر، لتخلد في ذاكرة التأريخ أن المرأة العمانية قوية العزيمة، وحاضرة الذكر إذا ما استذكر المؤرخون مآثرها وما تركته من إرث ثقافي تشهد أعلامه على وجودها.

أما بعد انتشار الإسلام في جزيرة العرب، فقد استمرت العمانية في الثبات على مبدأ الإسهام في المسيرة العمانية، حيث أثبتت الشعثاء ابنة الإمام جابر بن زيد حضورها المجتمعي في عصرها، وشمساء الخليلية كانت مرجعاً دينيا وثقافيا في زمانها، وهند ابنة المهلب بن أبي صفرة، أسهمت بوضوح في نشر الإسلام والفقه السليم، والشيخة موزة ابنة الإمام المؤسس لدولة البوسعيد، قد سطع نجمها عندما أمسكت بزمام الحكم، وصية على أبناء الإمام القُصَّر، والكثير من العمانيات اللائي خلدن بأعمالهن أسماءهن في التأريخ، بما تركنه من أدب شعرا ونثرا، وما ظل يتوارث بعدهن من فقه ورجاحة عقل وحكمة.

ولم تختلف العمانية في العصر الحديث عن مثيلاتها في الأزمنة السابقة، وخاصة في عصر النهضة، حيث أخذت حظوتها ابتداء من العلم المدرسي، ومرورا بالتعليم الجامعي، ووصولاً إلى ميادين العمل، حيث أولتها القيادة العمانية الراسخة الاهتمام مثلها مثل أخيها الرجل، فتقلدت أرفع المناصب في هذا الوطن، تسمية وانتخاباً وتزكية، لتسهم بعملها وعلمها في المحافل المحلية والإقليمية والدولية، كما أنها برعت في مجالات عالم المال والأعمال.

كلنا يتفق على مبدأ واحد ألا وهو أن المرأة هي صمام أمان كل أسرة، وهي الأنس والرسوخ لأوتاد الخيمة، وأن المرأة العمانية محط عناية ورعاية القيادة الحكيمة، فبالرغم حصولها على كل حقوقها حتى تلك التي لا تحصل عليها المرأة في الكثير من دول العالم، حتى أكثرها عصرنة وتقدماً، مثل حقها في تملك الأراضي بأنواعها، حالها كحال أخيها الرجل، وأحقيتها في تاء التأنيث في اسمها، في جميع الأوراق والمستندات الرسمية، إلا أنَّ صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-، أراد أن يخلع عليها رداء يميزها عن غيرها من نساء العالم، ففي عام ٢٠٠٩م أسمى يوم السابع عشر من أكتوبر من كل عام بيوم المرأة العُمانية، وذلك حتى يكون هذا اليوم بالذات هو المرآة التي تعكس منجزاتها وإسهاماتها المحلية والدولية في جميع المجالات.

 

 

 

توقيع:

"إقبلي مثل ديم.. مثل ناٍر في هشيم

من غصون الضي.. من ليل الغضا

وبين ما خلا النخيل من الفضا ومانسى الغيم" قصيدة الليالي الوضح، بدر بن عبدالمحسن.

 

تعليق عبر الفيس بوك