نحمدوه

عائض الأحمد

 تقول والدموع تغلبها ثم تدير وجهها متذكرة مساء ذاك الشتاء حينما بلغها نبأ كان كالصاعقة لم يدع لها لحظات تظهر فيها ألماً أو دهشة أو حتى تسأل من فعل ذلك ولماذا وهل كان يستحق كل هذا؟

 كان ابنها الوحيد وحارس القرية ومالكيها وأمين سر الليل، فهو الوحيد الذي يشاهد أسراره وخطوات محبيه وشطحات زواره، كان الصندوق الأسود كلما أحرقته نار ازداد عنادا وبقي كما أستودع.

"الحارس" هكذا كانوا يقولون وكأن والديه لم يجعلا له اسماً ككل البشر فوقية السادة وطاعة الخدم، كان في أحد الأيام يقوم على ما اعتاد عليه، وفجأة سمع نداء سيده فخرج مسرعاً لطاعته فما كان منه إلا أن أرداه صريعاً، وبعد السؤال قيل لهم بأنَّه ارتكب خطأ فادحاً ما كان عليه القيام به وهو "الحارس" الأمين المطيع فكيف به يسمع نداء السيد ولم يقف حينما سأله من أنت ولماذا لم تقف حينها، وجاء الرد بأنه أقل من جزائه، وعلى أسرته أن تتحمل مصاريف جنازته وتقدم اعتذارا رسمياً لسادة البلد، جراء حماقة هذا "الحارس" الوفي الذي قدَّم روحه لمن لم يكن يستحق.

 والدته المكلومة كانت تصرخ في حسرة وندم تمزق قلبها، صراخ يسمعه "الثقلين" دون أن تتحرك شفتاها أو تدمع عيناها مرددة "نحمدوه نحمدوه" لن يموت قبل يومه ولن يعيش أكثر من ساعته.

 كانت هذه السيدة تهيل التراب على روحها قبل روحه وتلملم جراحها حتى اسمها "سعيدة" لم تعد تسمعه بعد يومها هذا فكانت "نحمدوه" بأمر السادة.

 لم يكن خطأ ذاك السيد ولم يكن سوء قدرك أيها الوفي حينما قررت أن تتخذ قراراً لم يكن لك أن تفعله أو تقوم به، كانت حياتك ثمناً بخساً قدمته من أجله.

 كم هي قاسية هذه الحياة حينما تدير ظهرها لمن يحمل الكثير من الحب والطاعة والولاء ويسخرها حسب طاقته وجهده ومبلغ علمه، قد يراه البعض "تافه" يسير، وفي عيني هذا الرجل البسيط كل ما يملكه، بذل جهده وتفانى في عمله فكان جزاء سنمار، علماً بأنه لم يكن يعلم مكان تلك "ألبنه" ليهدد بزوالها في لحظات غضب أو ضعف قد يعتريه يوماً ما.

 

 كم لدينا من "حارس" وكم لدينا من سادة لنعيش بين النقيضين نتجرع إثم الصمت على إعلان نحن وأنتم سواسية خلقنا لعمارة الأرض ليس أكثر.

 

 ومضة:

 لن تستطيع العيش وحيداً مهما كانت قوتك.

 

 يقول الأحمد:

 دعوها جانباً كما قال لكم سيد الخلق فإنها مُنتنة .

الأكثر قراءة