"كورونا" و"بريكست".. بريطانيا تنزلق نحو تسييس الجائحة لـ"تجميل" وجه الحكومة

المقامرة بالأرواح في زمن الوباء.. المعادلة الصعبة بين السياسة والصحة

ترجمة - رنا عبدالحكيم

"ما نفعله ليس جيدًا بما يكفي".. بهذه القناعة استهل الكاتب الإنجليزي فيمي أولول، مقاله المنشور بصحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية، الذي وضع له مقدمة مقتضبة، كرَّر فيها كلمة "أكره" 4 مرات: "أكره أن أكتب هذا المقال"، "أكره أننا نرى حالات "كوفيد 19" ترتفع بشكل كبير"، و"أكره أن يفقد الناس وظائفهم"، و"أكره أن قيود الإغلاق تفصل بين الأشخاص، في حين شعرنا جميعًا بالوحدة الشديدة هذا العام".

أولول اعترف بأنه ليس عالم أوبئة، وإنما رجل اقتصاد همُّه الشاغل الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، ودراسة تداعياته وتحليل تأثيراته، بيد أنه قال بأنه ظل على اتصال بالعديد من علماء الأوبئة الكبار لتأكيد قناعته بأنَّ ما تفعله بريطانيا في تعاملها مع جائحة الفيروس التاجي ليس جيدًا بما فيه الكفاية.

وأخذ المقال يسرد ملامح الواقع، مؤكدًا "نعلم أن الإغلاق لا يقضي على الفيروس أو يحقق مناعة القطيع، وإنما الغرض الوحيد منه هو تسوية المنحنى لحماية هيئة الخدمات الصحية الوطنية، ومنحنا الوقت الكافي لجعل اقتصادنا آمنًا؛ بحيث لا يتسبب ذلك في ارتفاع فوري عندما نفتحه". ومع ذلك، ولسبب ما، يدور النقاش الوطني حول ما إذا كان يجب أن تكون الأمور مفتوحة تمامًا أو مغلقة تمامًا. لقد عدنا إلى نفس طريقة التفكير "الكل أو لا شيء"، والتي جعلت مناقشات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مستحيلة.

أولول دعَّم مقالته في "ذي إندبندنت" بتفاصيل اتصال هاتفي بينه بين بيل هاناج أستاذ مساعد في علم الأوبئة بكلية هارفارد تي.إتش تشان للصحة العامة، ناقشا فيه طريقة تعامل المملكة المتحدة مع الوباء، وكيف أثرت السياسة على مناقشة فيروس كورونا. وقال: "أتمنى أن نتمكن من جعل رأسنا يعمل في اتجاه فكرة إدارة الوباء".

ومن الغريب أنه في اللحظة التي نرى فيها ارتفاعًا في أعداد الحالات، يصبح التركيز، "هل يجب أن نغلق؟" بدلاً من: "حسنًا، من الواضح أن الأشياء المفتوحة تحتاج إلى مزيد من إجراءات التباعد الاجتماعي"، هكذا عقَّب أولول.

ومن وجهة نظر المقال، فإنَّ منع انتشار فيروس "كوفيد 19" للاقتصاد يتطلب شيئين: التباعد الاجتماعي ونظام اختبار وتتبع فعال. وتحدث البروفيسور هاناج عن ارتداء الكمامة كجزء أساسي من هذا، وأنه بات من الواجب على الحكومة أن تقنع الأشخاص بأن الكمامات لا تتعلق بحماية نفسك، ولكن حماية الآخرين من مرض قد لا تعرف حتى أنك مصابٌ به.

وقال إنَّ الحكومة أرسلت آلاف الرسائل إلى أولئك الذين يعانون من نقاط ضعف طبية، تطلب منهم الحماية في بداية الوباء. كمدخل للتساؤل حول مدى صعوبة إرسال شارة ارتداء كمامة إلى أي شخص مصاب بصعوبات شديدة في التنفس، وإخبار أي شخص آخر بطلب واحدة من طبيبه العام؟ حتى يُمكك فرض ارتداء الكمامة بصرامة في الأماكن العامة الداخلية.

ويفتقر نظام مستويات فرض القيود أو ما يطلق عليه نظام إشارات المرور إلى الخيال. فعلى سبيل المثال، يمكن تصنيف المطاعم وفق ثلاثة مستويات؛ المستوى الأول: طاولات يفصل بينها متران. والمستوى الثاني: فواصل بلاستيكية بين كل طاولة. والمستوى الثالث: مراوح الشفط. فبهذه الطريقة وعندما ترتفع معدلات الإصابة، ستؤثر قيود الإغلاق فقط على الشركات التي لا تصل إلى درجة عالية من المأمونية.

ثم هناك الاختبار، وهي الشيء الوحيد الذي طلبت منظمة الصحة العالمية من الدول إعطاء الأولوية له: "اختبار، اختبار، اختبار". وقال أولول: "لا يقتصر الأمر على فشل الحكومة في تخصيص الموارد الكافية لذلك، بل وأيضا المحادثة حولها كانت سيئة للغاية". متسائلا: لماذا لا يوجد مستوى موحد من الاختبارات الإيجابية أو معدل الحالة لكل مجموعة سكانية يجب أن تظل كل منطقة دونها؟ ستعرف كل منطقة بعد ذلك بالضبط مدى قربها من الإغلاق، وعليها تغيير سلوكها لحماية الوظائف.

ونوَّه الكاتب بأن بريطانيا من ضمن أعلى معدل وفيات في أوروبا، وبمقارنتها بمعدل الوفيات في ألمانيا -التي تم إغلاقها في الوقت المحدد- فيمكن القول بأنَّ إستراتيجية الحكومة تسببت في 34000 حالة وفاة إضافية يمكن تجنبها. وعندما كان شمال إيطاليا مغلقًا في 3 مارس، كان رئيس وزرائنا يخبرنا بأنه لا بأس من مصافحة الأشخاص.

واختتم فيمي أولول مقالته بالتأكيد على أنَّ الاقتصاد البريطاني "هو الأكثر تضررا بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية". معتبرًا أن حكومة بلاده تلعب لعبة الضربة الوبائية، وهي مهتمة بالدفاع عن أفعالها ومستشاريها السياسيين أكثر من اهتمامها بإنقاذ الأرواح وسبل العيش.

تعليق عبر الفيس بوك