"الثلاثية الناجحة" لمحاصرة "كورونا".. خبيرة بريطانية تحدد الإجراءات اللازمة

◄ الإغلاق الدائم لن يقضي على الفيروس.. ولا بديل عن الفحص والعزل والتتبع

ترجمة - رنا عبدالحكيم

طَرَحتْ البروفيسورة ديفي سريدهار رئيسة الصحة العامة العالمية بجامعة إدنبرة الأسكتلندية بالمملكة المتحدة، سؤالَ الساعة حول العالم: كيف تُبقي الدول مرض "كوفيد 19" تحت السيطرة، وفي الوقت نفسه تواصل تقديم خدماتها الصحية، وتدعم نمو اقتصاداتها وحركة مجتمعاتها؟

وقالت -في مقال حديث لها بصحيفة "ذا جارديان" البريطانية- إنَّ هذا السؤال يجب أن نطرحه جميعًا، لكن بدلاً من ذلك، وبعد سبعة أشهر من هذه الأزمة، لا تزال دول مثل المملكة المتحدة عالقة في دورات لا نهاية لها من إجراءات الإغلاق، ولا تزال وسائل الإعلام البريطانية تركِّز على النقاشات العقيمة حول مدى خطورة الفيروس، مُعرِبة عن سخريتها من هذا الطرح، ومتسائلة في الوقت نفسه عن الإستراتيجية المثلى لمعالجة الوضع؟

وتوضِّح سريدهار أنه في أبريل الماضي، افتتحت المقاهي والمطاعم في فيتنام المليئة بالصخب والحياة، وفي يوليو حضر 10000 من مشجعي البيسبول مباراة في ملعب في تايوان، وفي أغسطس، تجمع الآلاف معًا لحضور حفل موسيقي في حديقة ووهان مايا بيتش المائية في الصين، وهذا الشهر، يواصل لاعبو الرجبي الدوليون اللعب في نيوزيلندا في ملاعب بكامل طاقتها.

وقالت إن الحياة اليومية في هذه البلدان عادت إلى حد كبير إلى طبيعتها، ومقارنة بالدول الأخرى، واجهت تلك الدول تحديدا (فيتنام وتايوان والصين ونيوزيلندا) قدرًا ضئيلًا من الضرر الاقتصادي. ولم تفرض تايوان الإغلاق مطلقًا، في حين كانت إجراءات الإغلاق في فيتنام ونيوزيلندا والصين مبكرة وقصيرة وحادة. فمن بين 1.4 مليار نسمة، سجلت الصين فقط من 4634 حالة وفاة بسبب كوفيد 19، بينما سجلت فيتنام وتايوان ونيوزيلندا معًا 67 حالة وفاة فقط حتى يوم الأحد 11 أكتوبر 2020.

وترى سريدهار أنَّ المملكة المتحدة ارتكبت في البداية خطأ، عندما تعاملت مع فيروس كورونا على أنه إنفلونزا، وتأخرت عمليات الإغلاق العام، مما سمح للفيروس بالانتشار في البداية بين السكان وكأنه نزلة البرد. لكن بمجرد أن أصبحت شدة الفيروس واضحة فرضت الحكومة إغلاقًا، لكن بعد فوات الأوان.

وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، شهدت الإصابات بالفيروس تذبذبات بين ارتفاع وانخفاض. وخلال الصيف، بدا أن المملكة المتحدة غيرت مسار المنحنى وحافظت على معدل انتشار تحت السيطرة. لكن بدلاً من استبدال تدابير الإغلاق القاسية بإستراتيجية فعالة للفحص والتتبع، والتحول من عزل السكان إلى الحجر الصحي فقط لأولئك الذين تعرضوا للفيروس، رفعت المملكة المتحدة القيود دون عودة فعالة. وفي الوقت نفسه، شجعت الحكومة الناس على السفر إلى الخارج في أيام العطلات، مما يعني إعادة استيراد الفيروس إلى البلاد، الامر الذي تسبب في تفش جديد للعدوى مع عودة هؤلاء الأشخاص.

وبالنسبة للحكومة البريطانية، فيبدو أن الغرض من الإغلاق ببساطة إغلاق البلاد مع تعليق آمال على زوال المشكلة. لكن الإغلاق نفسه لا يغير سلوك الفيروس أو مساره بشكل أساسي، إنه فقط إجراء لشراء الوقت فقط. لكن بدأ التعب والغضب في الازدياد، وبدأت أجراس الإنذار تُقرع، فهل يمكن أن تكون تكلفة هذه الإجراءات أعلى من تكلفة الفيروس نفسه؟ وهل ينبغي تقييد حياة الملايين فقط لمنع موت الآلاف؟

ليس من المستغرب أن أولئك الذين يقدمون حلولاً سهلة ومقنعة على شاكلة "يمكنك استعادة حياتك بحلول عيد الميلاد" و"إما الاقتصاد أو الصحة"، و"هذا الفيروس غير ضار عمليا لمن هم دون سن 55"، وجدوا جمهورًا راغبًا فيما يقولون بين مجتمع محبط ومرهق. ويمكن قراءة العديد من هذه الحجج تحت مصطلحات مثل "مناعة القطيع" أو "الحماية المركزة" أو "حماية الضعفاء". وإذا كان الفيروس يمثل فقط خطرًا على كبار السن أو أولئك الذين يعانون من ظروف موجودة مسبقًا، فهم يجادلون: لماذا لا نحمي الضعفاء ونسمح لأي شخص آخر بمواصلة الحياة الطبيعية؟

لكن لسوء الحظ -بحسب سريدهار- لا حلولَ سهلة مطلقا، فقد تبدو تلك المقترحات جيدة من ناحية الشكل، لكنها تواجه مشاكل عميقة عند الممارسة والتطبيق. ولن يقتصر الأمر على الأشخاص المعرضين للخطر فقط، بل يجب حماية أفراد أسرهم وأولئك الذين هم على اتصال منتظم بهم. لكن.. كيف تميز بين الضعيف والصحي؟ فالأمر هنا لا يتعلق فقط بالعمر؛ حيث ثبت أن "كوفيد 19" يُفضِي إلى نتائج أسوأ لدى الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن أو من هم من أعراق معينة أو لديهم ظروف موجودة مسبقًا قد لا يكونون على دراية بها.

وترى البروفيسورة البريطانية أن العلماء بدأوا للتو في فهم آثار الفيروس على الأشخاص الذين يعانون من أعراض خفيفة، حيث لا يهاجم كوفيد 19 الرئتين فقط، بل يؤثر على الكلى والكبد والأوعية الدموية، وقد يهاجم الدماغ، ويمكن أن يسبب مشاكل طويلة الأمد للشباب والأصحاء.

وترصُد سريدهار مشكلة أخرى تتمثل في أنَّ المناعة ضد فيروسات كورونا تتضاءل بسرعة، ويمكن للمتعافين الإصابة بالمرض مرة أخرى. وتؤكد أن مفهوم "مناعة القطيع" خادع، ولا يملك العلماء أية دليل على أن المناعة من كوفيد 19 طويلة الأمد، لذلك من غير المرجح الوصول إلى وضع آمن للأشخاص الحريصين على حماية أنفسهم. فبعد عقود، لم يعد لدينا مناعة قطيع من الكوليرا أو الحمى الصفراء أو شلل الأطفال أو الحصبة أو السل أو الملاريا أو الطاعون، وغيرها من الأوبئة.

وتشدِّد رئيسة الصحة العامة العالمية بجامعة إدنبرة الأسكتلندية بالمملكة المتحدة على أن الأهم من ذلك توافر نظام قوي للفحص والتتبع والعزل، وأن تظهر نتائج الفحص في غضون 24 ساعة، وأن تصل السلطات الصحية إلى 80% على الأقل من المخالطين للمصاب، وتقوية الالتزام بقاعدة العزل الصحي لمدة 14 يومًا للمخالطيين. وأكدت كذلك الحاجة الماسة إلى وضع إرشادات قوية للصحة العامة فيما يتعلق بالإصابة في أي سن، وتشجيع الناس على الخروج في الأماكن المفتوحة قدر الإمكان، وتجنب الأماكن المغلقة والمزدحمة وسيئة التهوية، واستخدام الكمامات وتحقيق التباعد الجسدي، حيثما أمكن ذلك، فضلا عن إجراءات صارمة تتعلق بالسفر عبر الحدود لمنع إعادة استيراد الفيروس، بدلاً من النظم الحالية المتراخية ذات الرقابة الضعيفة.

تعليق عبر الفيس بوك