هل عُمان جاذبة للاستثمارات الخارجية؟

خلفان الطوقي

صَدَر قبل عِدَّة أيام تقرير البنك الدولي لممارسة الأعمال للعام 2020، والذي يُوضِّح ترتيب 190 دولة حول العالم، والذي يَصدُر سنويا منذ العام 2003؛ حيث كانت الدول المشاركة فيه آنذاك 68 دولة، وبسبب مرجعية وأهمية هذا التقرير للحكومات والساسة ومتخذي القرارات والاقتصاديين والأكاديمين والصناديق الاستثمارية العالمية ومراكز البحث الدولية والتجار والصحفيين والوكالات الإعلامية العالمية، وصل عدد الدول المشاركة فيه إلى 190 دولة.

ترتيب السلطنة في التقرير لعام 2019 هو 68 من بين 190 دولة حول العالم، ترتيبنا يُعتبر رقم 4 خليجيًّا بعد الإمارات والبحرين والسعودية، أما ترتيبنا على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فيأتي رقم 5 بين 19 دولة مشاركة، أما مكانة السلطنة في ممارسة الأعمال إذا وضعناها في نطاق من يتشابه معنا في ظروفنا ودخلنا المالي، فإنه يأتي في الترتيب الـ44 من بين 59 دولة، مع الأخذ بالاعتبار أن ترتيب عُمان في العام 2018 هو 71 وعام 2017 هو 66.

ويتَّضح أن ترتيب السلطنة في تقرير ممارسة الأعمال التجارية يتذبذب بين خانة 60 و70 من بين 190 دولة، ورحلة نقله ورفعه إلى ترتيب أفضل ليست سهلة أبدا، والسبب أنَّ هناك منافسة شرسة وحادة من الدول الأخرى من ناحية، وهناك مَعَايير ومُؤشرات أساسية معتمدة َوصارمة وهي حوالي 11 معيارا؛ تتضمَّن مستوى الضرائب، وجودة وسرعة التحكيم التجاري، وسهولة الحصول على التسهيلات التمويلية، وسرعة التسهيلات الجمركية... وغيرها من مُؤشرات مُعتمدة، ولكلِّ مُؤشر علامة معينة، وعلى ضوء المتوسط لهذه المؤشرات يكون ترتيب الدول؛ فالسلطنة على سبيل المثال في مستوى الضرائب تعتبر جيدة، وهو ترتيب 11 من بين 190 دولة، ومتأخِّر جدًّا في تقديم التسهيلات المالية 144، ومتأخر أيضًا في تحكيم المنازعات التجارية، فترتيبها رقم 97 من بين 190 دولة.

ورَغَم صُعوبة الانتقال بترتيب السلطنة إلى موقع أفضل في هذا التقرير، خاصة في الظروف التي تمرُّ بها السلطنة في هذه المرحلة، إلا أنَّ ذلك ليس بالأمر المستحيل، يبقى أن ذلك يتطلَّب عددًا من الخطوات والإجراءات؛ أهمها: الجدية في الجهود المشتركة والالتزام من الجميع، والإيمان بأننا قادرون على تحقيق هذا الهدف الوطني، وأن تكون المسؤولية تضامنية، والتيقُّن بأنَّ المسؤولية ليست مسؤولية جهة حكومية واحدة، هذا فيما يخص الناحية الأخلاقية والنفسية.

أمَّا من الناحية الإجرائية والميدانية؛ فهُناك العديد من الخطوات والإجراءات؛ وأهمها: وضع "رؤية" تحدد أين نريد أن نكون، وتحديد "هدف" وطني مشترك نسعى إليه، وإقرار "خطط" تنفيذية واقعية ونوعية، وتحديد مؤشرات الأداء للتقويم الدوري للتغير والتطوير والمحاسبة، وتسمية "فرق عمل" مؤهلة ومشتركة ومنوعة بعضها يعمل محليا، وبعضها يعمل على المستوى الدولي، وأعضاء الفرق يكونون من كافة الجهات الحكومية وشبه الحكومية كوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، ووزارة المالية، وأمانة الضرائب، ووزارة الاقتصاد، والبنك المركزي العماني، ووزارة العمل، وبلدية مسقط، ووزارة الإسكان والتخطيط العمراني، ووزارة الخارجية، ووزارة العدل والشؤون القانونية، وجهاز الاستثمار العماني، وهيئة تنمية  المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والهيئة العامة لسوق المال، وشرطة عمان السلطانية، وهيئة تنظيم الخدمات العامة، وغرفة تجارة وصناعة عُمان، وأي جهة لها علاقة بإصدار التصاريح والتراخيص التجارية بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذه الخطط التنفيذية التفصيلية تضطلع بها جهات التنفيذ والمهام المنوطة إليها وآلية ومواعيد تنفيذها.

ومن المناسب والمنطقي لوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أنَّ تترأس وتقود هذا الملف، لكن من غير المنطقي أن تحقق النجاح بمفردها؛ لذلك لابد لها أنْ تستعين بفرق نوعية ومتمكنة تعرف كيف تعمل هذه المؤسسات العالمية، وتَستطيع التعامل معها بمهنيَّة عالية؛ فمزايا إقرار فرق نوعية سوف تتعدَّى رفع ترتيب السلطنة في هذا المؤشر فقط، لكن المزايا والقيم الإضافية سوف تتعدَّى ذلك؛ لتكون هناك مزايا إضافية في المجالات: الاستثمارية، والترويجية، والمجتمعية، والاقتصادية، والتشريعية.. وغيرها، وسوف ترفع موقعنا في مُؤشرات دولية أخرى، كما ستستمر في تشجيع مزيدٍ من المستثمرين المحليين لممارسة التجارة، وجذب أنظار المستثمرين الدوليين إلى السلطنة.

عُمان نهضة مُتجددة.. ولكي نُحوِّل هذا الشعار إلى واقع ملموس؛ فلابد أن تكون كل مؤسساتنا جاهزة للعمل على مدار الساعة كخلية نحل لاقتناص الفرص؛ فهناك 189 دولة أخرى تنافسنا بشراسة وبدون هوادة على نفس هذه الفرص؛ فبعضُ هذه الدول ربما تعتبر ممارسة التجارة وجذب الاستثمار الخارجي ليس ضرورة مُلحَّة وذات أولوية عالية، ورغم ذلك تقدَّمت علينا، لكنَّ الخيارات المتوفرة للسلطنة رُبما تعتبر محدودة خاصة في الظروف الحالية؛ لذلك عليها أنْ تضع هذا الخيار خيارا وطنيا إستراتجيا لضمان استمرارية النمو وديمومة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.