إسماعيل بن شهاب البلوشي
الإنسانُ خليفةُ الله في الأرض، وهو الكائنُ الوحيد من بَيْن مخلوقات الله -عزَّ وجلَّ- يُولد دون أي برمجة، ويمكن وبعد ولادته من اليوم الأول أنْ يتشكَّل مُتأثراً بمحيطه: لغةً، ولهجةً، وسلوكًا، وتعليمًا وعملًا، عكس الكائنات الحيَّة الأخرى التي لا تحتاج إلى رؤية وسماع وتقليد من سبقها من نفس الفصيلة بأمرٍ ربانيٍّ عظيمٍ، يدعونا جميعاً للتأمُّل في عظمة صنع الخالق -عزَّ وجلَّ- وهذا أمر يطول الحديث فيه.
الإنسانُ يُمكن أن يَصِل إلى مُستويات عظيمة وراقية من التطوُّر، غير أنَّه وفي نفس الوقت يحتاج إلى تعاملٍ راقٍ ومدروسٍ وموقوتٍ في مراحله العمرية المهمَّة من عمره، وإلا فإنَّ اللحاقَ بتوجيه سلوكه سيكون ضرباً من الخيال.
لو أنك كُنت في دولةٍ ما تقُود سيارتك وفجأة توقفت الحركة لسببٍ أو لآخر، فإنَّ الجميعَ سيقف وفي مكانه، بل وسيترك ممرًا للطوارئ، وسيكون الوقوف مُنظماً وليس به أي صعوبات تذكر، وفي دولةٍ أخرى وعندما تتوقف الحركة ولو لفترةٍ قصيرةٍ ستجد معظم الناس تبحث عن أي مخرج حتى وإن كان ترابيًّا سيلتقِي مع الطريق في الأمام، وسيزيد الأمر صعوبةً، بل سيكون على حساب العامة المُلتزمة بالوقوف ومن أول وهلة وعند الجميع سيلقى اللوم على أولئك الذين لم يتمكنوا من الصبر والانتظار. ولأنَّ دراسة السلوك والبناء عليها ليس بتلك الأهمية في بعض دول العالم وفي كل شيء يتم التساهُل في الأمر، وننظر إليه بأنه أمرٌ عابرٌ ليس إلا، وكذلك عدم تعميم مثل هذه الدراسات على أسلوب تلقِّي العلم أو أداء العمل أو حتى الابتكار والتقدم في الصناعة، ويُنظر إلى كل ذلك على أنه أمر أكثر من اعتيادي، ويصبح الفكر والتطبيق سلوكاً عامًّا في بعض الدول والمجتمعات، وقد يكون هذا التسليم بالفكر والسلوك العام صنعة شعوب سرمدي، ولم يفكر أحدٌ يوماً في أن الخروج من كل هذه الأفكار أمرٌ سهل، ويمكن أن تكون تلك الدول عالماً آخر تماماً وفي كل شيء إنما فقط نحدِّد على مَن يَقع اللوم، والمفاجأة من وجهة نظري أنَّه لا يمكن لأحد أن يبرِّر أو يلقِي اللوم على جانب معين؛ ذلك أننا وعندما نرى تصرُّفًا معينًا كالمثال الذي ذكرت نوجِّه كلَّ شيء إلى المجموعة التي استعجلت وخرجت من المسار وتكدست في مكان معين، ولم نعني أنفسنا ولو مرة واحدة وبعمق من الفكر: لماذا تصرَّفوا كذلك؟ لماذا هم غير قادرين على الهدوء والانتظار؟ ومن هي قدوتهم؟ كيف تمَّ زرع فكر الاستقرار والهدوء والراحة في مثل هذه المواقف. إذن، دعونا نعود للبداية في الحديث (البرمجة)، ومن قام بها؟ وهل متخصص أو هو من نفس الصفة والسلوك ومتوارث لأجيال من نفس الفكر والتوجه؟ ولو أنَّ المبدع أو قُل المربِّي على وعي بأنَّ إنسان المستقبل هو بحاجة فعلية لزراعة فكر الاستقرار والراحة والسعادة والهدوء بأسلوب علمي منظم!!
عندما يُولد الطفل، وفي اليوم الأول من رُؤية النور، الكثيرُ منا يستهين بمعرفته ودرايته وتأقلمه وتعلمه الحياة المنشودة، وإذا أردنا أن نَعِي ونعلم عكس اعتقادنا وبكل وضوح، فما علينا إلا أنْ نستخدم تجربة سهلة وواضحة وهي أنه وعندما يولد الطفل عامله أنه يعرف ويعلم، وذلك من اليوم الأول، وأن تضعه في الكرسي المخصَّص للأطفال الخاص بالسيارة مع ربط حزام الأمان بكل إحكام، ومن البداية وفقط أكمل شهرين من عمره، ستراقب مستوى القبول والراحة والاستمتاع والهدوء، وجرب أن تأتي بطفل في نفس عمره واربط عليه حزام الأمان في كرسي مماثل، وانظر إلى حجم المعاناة والصعوبة، بل والاستحالة لقبول الأمر، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا نرمِي باللوم على الناس الذين لم يستطيعوا قبول أمر التوقف؟! واذا أعدنا فكرة البرمجة على الإنسان، فهل يُمكن أن تكون أمراً نستطيع الوصول إليه والاستفادة منه ووضع برامج ملزمة وبفكر يعيد لإنسان الأمة مكانةً فقدها كثيراً، وفي مجالات لا حصر لها مثل تقبل العمل والفكر الجماعي وليس الفردي، القبول بالحياة وتقلباتها المقدرة على الحياة دون دعمٍ كبير من جوانب مختلفة، وكذلك التقيُّد بأوامر الخالق التي هي روح الحياة السعيدة التي لا يُمكن للإنسان أنْ يستقر دونها في حياته، ولأنَّ عدم وجود دراسات فلسفية مفيدة وإسقاطها على شكل الحياة التي تناسب كل مجتمع إيجابًا، ومن جوانب كنا لا نقر أننا السبب المباشر الذي ورثناه وأورثناه للأجيال، ولم تكن لنا لياقة الفكر للاعتراف به، وأن نبدأ بصياغة برمجة إنسان المستقبل ليكون قوياً من خلال الهدوء والحكمة لا من خلال التسرُّع والانفعال التي لا تركز على شيء، ولا يمكن أن تصمد أو يطول عمرها، وكذلك لا يُمكن لنا أنْ نُساير العقول التي جعلت من رؤية المستقبل والتأقلم مع مستجداته والتطور معها، إلا بذلك الإنسان الثقيل في كل شيء، وليس من خلال الجمود بالفكر والحياة بفكر الماضي في عالم اليوم، والذي يَجِب علينا أن ننافس العالم بإنسانٍ آخر.