هل ما زال بالعمر بقية؟!

يوسف عوض العازمي

alzm1969@

 

"التَّقدم في العمر إلزامي، أما التقدم في المستوى فهو اختياري"، شيلز ديفيز.

*****

من فضل الله علينا أننا لانعلم متى ساعة الموت، فهي مُقدَّرة عند مالك الملك رب السماوات والأرض، لذلك كما نعلم جميعاً ساعتان علمهما عند الله ساعة الموت وساعة الرزق، تخيل لو أنَّ أحدنا يعلم بالتحديد متى ساعة فراقه للحياة، ما الذي سيحدث، بالتأكيد ستتغير مُعطيات وأمور وكثيرٌ من المقاييس ستتبدل، لكنها رحمة أرحم الراحمين الذي جعل أمر الحياة والموت بيده، يُذكرني بيت مُعبِّر للشافعي :

كم من صحيح... مات من دون علة

وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر..

علمياً وعملياً لا يُوجد شيء اسمه مُنتصف العمر للإنسان، ذلك أنَّ لكل إنسان ساعته المُقدَّرة من رب العالمين، هناك من يتوفاه الله طفلاً وهناك الشاب وأيضاً من يصل المائة عام، لذلك لا أعتقد منطقيا بوجود شيء اسمه منتصف العمر، لكننا كعرب عاطفيين أكثر من اللزوم، ونعشق المُجاملات، فما بالك إن كانت مع أنفسنا، فنتحدث بثقة بأنَّ عمر الخمسين هو منتصف العمر وكأننا نضمن بلوغ المائة عام !

لن أتحدث سيكولوجياً ونفسياً عن الخمسين فالحديث يطول ولست متخصصا في تلك المجالات، سيصبح الوضع وكأني أدخل في متاهة لن أعرف كيف الخروج منها، إنما فعلاً الوصول للخمسين هو في الحقيقة وصول إلى محطة عُمرية أسميها الحيرة!

قرأت لأحد الأحبة عن مُنتصف العمر: تتقلب بين الذاهبين وبين المُقبلين، وأشهد بأنَّه أبدع في سبك هذه العبارة، مرحلة منتصف العمر حيث لا مُتقدم ولا راجع، لا أنت من الصغار ولا أنت من الكبار، حتى الأحلام تتبدل، تتقلص، حتى نظرات الناس تختلف، نظرات تنظر إليك ككهل مع أنك تشعر وكأنك في الثلاثين (لم أقل في العشرين) لكنك أحياناً ترى نظرات الناس اختلفت إليك. وأصبحت جدا وانتهى حلم الأبوة.. وبدأت انتظارات رؤية الأحفاد.

أتذكر في السابق إذا كنت في مناسبة اجتماعية، وخلال السلام لما يأتي مدعوون أنهض للسلام بشكل طبيعي، الآن (أحياناً وليس دائماً) يأتي من يضع كفيه على يدي ويحلف عليَّ ألا أنهض ويدنق أي ينزل رأسه باحترام للسلام عليَّ كتقبيل الأنف أو الرأس كدليل احترام.. أتعلم ما معنى ذلك؟

أني كبرت.. شيبت!

خذ هذه أيضًا، منذ سنة تقريبًا، كنت في مُراجعة لإحدى الدوائر الحكومية، غضبت وقتها من الموظف المحترم، أتعلم لماذا؟ لأنه خاطبني بلقب عمي! لقد كسر كل العنفوان بداخلي عندما نادى: عمي !

شعرت وقتها بأني فعلاً كبرت مع أني مازلت شابًا، لم يبق إلا أن يأتي إليَّ ويمسك بيدي ليوصلني الباب! (أعتقد مفهوم القصد).

العمر سيطوينا سنكبر، ستتغير عبارات الإطراء والمقاييس الحديثة غيرت الكثير من الأحكام بما فيها صفات الجسد، لذا ستجد من يخاطبك بما تظنه تصنيفًا حقيقيًا لمرحلة عمرية تتجاوز مرحلتك الحالية، فمن العجيب أن تجدهم يطلقون على شخص في منتصف الثلاثين أو الأربعين كلمة كهل وعجوز توبيخاً لبعض الأفعال !

ومع ذلك من المهم أن نقتنع بذواتنا في كل مراحلها لأنَّ الزمن سيطوي أيامنا وستبدو علينا علاماته شئنا أم أبينا نحتاج للتصالح لنكسب اللحظة التي نعيشها.

قرأت للأديب المصري بهاء طاهر عبارة غزيرة المعنى: "أفكر في هذا الطفل الذي يطاردنا حتى آخر العمر، ألا توجد طريقة للتخلص منه؟"، وكأنَّه يصف الإنسان بأنه طفل ويكبر ويبقى طفلاً، ويلاحقه حلم الطفولة حتى وهو في تدرجات العمر، كأن الإنسان يريد توقف آلة العمر في عُمر معين، ياله من طمع!

قبل سنوات قليلة أقدمت على خطوة صعبة وهي استكمال الدراسة بمرحلة البكالوريوس وأنا في آخر سنين الأربعين، من فضل الله عديتها بنجاح، لكنها كانت صعبة عطفاً على المرحلة العُمرية، كان الشهر كأنه سنة، والسنة الدراسية كأنها سنين، لذلك من المهم التعامل مع كل مرحلة عمرية بما يُناسبها، لا أقول إني أخطأت بالدراسة متأخراً على طريقة أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي، لكنها ليست بأهمية الدراسة في وقتها، ليس معقولاً أن استكمل دراسة بعد أن بدأ من في جيلي التفكير بالتقاعد!

هي تجربة والحياة تجارب، وينطبق ماذكرت حتى على الزواج المتأخر، والعمل التجاري في عُمر متأخر، دائماً إن لم يأت ويكون الأمر في وقته، لا معنى، ولا لذة له.

وصدق الشاعر د. فواز اللعبون عندما قال:

‏فكم من صغيرٍ شاب قبل مَشيبِهِ

وكم من كبيرٍ قلبُهُ.. يانعٌ نَضْرُ..

اللهم عافينا من أمراض القلوب.. واعتق رقابنا من النار..اللهم لا تتوفنا إلا وأنت راض عنَّا غير غضبان..اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها.

--------------------------------------

ملاحظة :

حفظاً للحق الفكري فقد اقتبست عدة عبارات في هذه المقالة من أحد الأصدقاء، وأشكره جداً على موافقته لي بالتصرف ونشر عباراته باسمي.