إسماعيل بن شهاب البلوشي
يعتقد البعض وحينما نذكر أنَّ العلاقة الفعلية بين من يحمل الشهادات المذكورة والاختلاف في القيادة فإننا نُقلل من أهميته أو قيمته أو غير ذلك وهذا في الحقيقة مجانب للصواب فالمُهندس وحامل الشهادات الأخرى يقوم بواجب مهم وعظيم غير أنَّ في الأمر جزئية هامة علينا جميعاً أن نُدركها ونُفكر فيها ونعطيها ما تستحق من الأهمية.
اليوم كنت في منطقة صحلنوت في مُحافظة ظفار والتي يتم فيها مشروع الصرف الصحي والذي هو بحق يُعتبر لفتةً كريمة من حكومتنا الرشيدة وخطوةً أخرى في مجال التطوير والعمل الإيجابي على مستوى الوطن غير أنه استوقفني أمر من وجهة نظري غريب بل عجيب ولا يُمكن تصديقه وهو أنَّ العمل الهندسي رائع جداً والشركة تعمل بكل إتقان وهناك حفر عميق جداً وفي كل مكان غير أني وبعد مشاهدة أنبوب صغير سألت واحداً من المُهندسين متى سيضعون الأنبوب الرئيسي؟! فقال إنَّ هذا هو الأنبوب الرئيسي وكنتُ شخصياً أعتقد أنَّ هذا مخصص لسلك كهربائي مثلاً ولا يمكن تصديق هذا الأمر أنه يمكن أن يكون كذلك!
فأجاب أنه لا يُوجد أنبوب آخر، فإذا عدنا إلى عنوان الحديث فإنَّ من قرر ووافق وصمم هو مؤكد مهندس ولكن أين القائد الذي تكون نظرته أبعد ونظرته مُختلفة وشاملة وهي أن اليوم أمامي مئة منزل مثلاً وبعد عشرة أو عشرين أو أكثر من السنين سيكبر الأولاد وقد لا يتمكنون من شراء أراضٍ إذاً قد يُهدم المنزل الذي هو من دور واحد ويبنى بدلاً منه مبنى من عشرةِ أدوار وفي كل دور أربع شقق إذاً المنزل بعد بضع سنين قد يكون أربعين منزلاً وهذا حدث في كثير من الدول وقد رأيناه بأعيننا ورأينا ما آلت إليه الطريق الصغيرة والازدحام وصعوبة الحياة وضيقها وماذا عن الاحتياطات الأخرى؟! وما هو الفرق في التكلفة إذا كانت كل الأساسيات اليوم سبقت الطريق المسفلت وهل أن كل الأمر فارق السعر في حجم الأنبوب الذي قد لا يصل إلى عدد من الريالات بأصابع اليد في المتر الواحد أما وبعد حين وفي حالة عجزه عن العمل مستقبلاً فعلى الأجيال أن تُزيل الطريق المسفلت والإنارة والخطوط وكل ما أضيف أي أن الزيادة اليوم عشرة آلاف ريال في كل المشروع مثلاً وغداً سنحّمل الأجيال وفقط لهذا المشروع 100 مليون ريال.
الحديث الأول للمهندس أما الحديث الثاني فهو للقائد، وإذا استطاع القائد أن يوضح للمهندس هذا الأمر فإني على ثقة مُطلقة بأن المهندس فنياً سيقوم بعمله ووضع مواصفاته بشكل رائع ولن يُخالف قائده.
الأمر الأكبر من كل هذا أنَّ الدول التي تنتبه للخطوط العريضة من مشاريعها وتوجهاتها لا تترك الأمر المُطلق للجهات المختصة في بعض الجوانب وإلا فما هو دور مجالس التخطيط الاستراتيجي فالكثير من مصالح الأمة الإستراتيجية يكون فيها القول الفصل لما يسمى بمجالس العقلاء وفي بعض الدول يرفع الأمر إلى أكبر من ذلك فتكون موافقة الفكر والدراسات بل والبحوث الجامعية والاستفادة من آراء المُجتمع وأفكار العقلاء والمجربين والذين دفعت لهم الدولة أموالاً طائلة واستفادوا من تجارب الدول وخبراتهم وكل ما هو مُفيد لجعله في بوتقةٍ متكاملة للوصول إلى نظرةٍ أشمل وأكبر وأكثر تعّقلاً من أن تتخذ جهةٍ ما قراراً يمس الكثير من المصالح العليا للأوطان أو إيجاد أي تسمية أخرى يكون في النهاية مصبها المصالح الوطنية الإستراتيجية العليا ولا تترك في تقدير مصير أمر في غاية الأهمية إلى أي جهةٍ بعينها قد لا تشمل نظراتها إلا ذلك التحديد في واجبها وعملها أو في مُحيط معين يخصها فنياً وحسب.
اليوم كل ما أتمنى أن تكون هناك جهة مختصة أن ترى ما ضربت به المثال وأن يكون هناك رد عملي وليس ردا إنشائياً من الجهةِ المختصة حيث إننا جميعاً نستطيع أن نقول في ردودنا ما نريد وما نجعل منه شكلاً من الإرضاء وكذلك تعبيراً وأرقاماً في الأوراق وتصوير الأمر وكأنه مثالي وليس به أي عيوب وكذلك فإنِّه يمكن إشراك مختصين من دول جربت قبلنا العمل بهذه الأنظمة وإذا كان عملهم صحيحاً فهذا هو المطلب الوطني النهائي وإلا فيمكن مراجعة مثل هذه الجوانب قبل فوات الأوان.