سلامة وجودة الغذاء.. تحت مظلة واحدة

د. حميد بن فاضل الشبلي

‏humaid.fadhil@yahoo.com

 

شخصيًّا.. موضوع جودة الغذاء وسلامته من أكثر المواضيع التي شغلت حيزًا واسعًا من كتاباتي خلال العشر سنوات المنصرمة، ويعُود السبب لتعدُّد البرامج التوعوية والإرشادية المرتبطة بمهام عملنا في هذا الخصوص، وكذلك نتيجة تأثُّري بوعكة صحية حادة بسبب تناولي وجبة غذائية ملوثة من أحد المقاهي قبل عدة سنوات، إضافة لتضامني مع مُفتشي ومُراقبي البلديات وحماية المستهلك ووزارة الصحة الذين تتعدد مهامهم من عمل إداري وفني ومتابعة ميدانية، في ظل وجود عدد قليل من الموظفين مقارنة بعدد المؤسسات والمنشآت المكلف بمتابعتها كل موظف؛ لذلك كانت الدعوات والأمنيات أنْ تكون هناك مؤسسة واحدة تتولى متابعة ومراقبة سلامة وجودة الغذاء بشكل خاص ومستقل؛ لذلك جاء المرسوم السلطاني بتاريخ 2019/3/24م رقم 2019/24 بإنشاء مركز سلامة وجودة الغذاء، تحت مظلة وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه، ليحقق هذا الطموح وتلك الأمنيات.

وبذلك، أصبَح هذا المركز تؤول إليه جميع الاختصاصات الخاصة بسلامة وجودة الغذاء الذي كان موجودًا في الوزارات والهيئات العاملة في السلطنة والمتعلق عملها بسلامة الغذاء، ومن ثمَّ بدأت العملية في هذا المركز بعد صدور قرار إنشائه بتجميع الأعمال الخاصة بجميع المؤسسات الأخرى؛ مثل: التفتيش على المنشآت الغذائية المختلفة كالمصانع الغذائية والمخابز والمطاعم والمنافذ الحدودية....إلخ، والرقابة على الأغذية المُصَدَّرَةِ والمُسْتَوردةِ، وتحليل المواد الغذائية الموجودة في الأسواق للتأكد من صلاحيتها للاستهلاك ومطابقتها للمواصفات المعتمدة... وغيرها من الاشتراطات، تحت مظلة مركز سلامة وجودة الغذاء.

وفي الوقت الراهن، وفي ظل التشكيل الوزاري الجديد، نجد أن مهام مركز سلامة وجودة الغذاء ذهبت إلى جهتين؛ الأولى: وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه حيث يؤول إليها مركز الغذاء، والثانية إلى وزارة الداخلية ممثلة في مكاتب المحافظين ويأتي ضمن اختصاصاتها مراقبة الأغذية والتفتيش عليها والتأكد من سلامتها ومراجعة المصانع والمطاعم والمخابز والمسالخ...إلخ؛ لذلك ومن وجهة نظري الشخصية أجد أنّ جزءا من السلسلة الغذائية انفصل عن المركز، ويُمكن لي تشبيه الموضوع كجسم الإنسان: الرأس أصبح يتبع جهة، واليدان والرجلان تتبعان جهة أخرى؛ وبالتالي موضوع جودة وسلامة الغذاء أصبح لا يستند إلى مرجعية واحدة كما كان يقوم به سابقًا مركز جودة وسلامة الغذاء، وهذا الانقسام يولِّد لدينا الخوف من ملامسة خطر تبعاته في المستقبل، والحقيقة أننا لا نختلف عن أن اختصاصات عمل البلديات في المسمى السابق؛ مثل: التراخيص الخاصة بالأنشطة المهنية والصناعية غير الغذائية والمشاريع وأعمال الشؤون الفنية والاستثمارات المختلفة... وغيرها من الأعمال التي يُمكن أن تتبع مكاتب المحافظين في الوقت الراهن حسب الهيكلة الجديدة، حيث إنه من الملاحظ: انتقال جميع اختصاصات موارد المياه إلى وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه.

ولكن ما أكتبه اليوم وأقترحه يأتي من باب تنظيمي، تقليلا للجهد الإداري، وكذلك تقليلا للهدر المادي على أعمال الرقابة والتفتيش على سلامة الغذاء في أكثر من جهة، والسعي إلى أن يكون موضوع سلامة وجودة الغذاء تشرف عليه مؤسسة واحدة، وأقترح أن تسند مسؤوليته إلى وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، أو لهيئة حماية المستهلك، أو إلى وزارة الداخلية -ممثلة في مكاتب المحافظين- وشخصيًّا أجد الأقرب والأنسب أن يكون مركز جودة وسلامة الغذاء تحت مظلته هي وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه؛ وذلك لتقارُب الاختصاصات الأخرى لهذه المؤسسة مع موضوع سلامة وجودة الغذاء.

وفي الختام، أضَع بعض الأسباب التي دفعتني لطرح أن يكون موضوع جودة وسلامة الغذاء تحت مرجعية وإشراف مؤسسة واحدة فقط، هو المحافظة على الجهود السابقة التي بُذلت نحو توحيد اختصاصات مركز جودة وسلامة الغذاء، كذلك الخوف من وجود تصادُم في حالة تولى موضوع متابعة وسلامة وجودة الغذاء أكثر من مؤسسة واحدة، إضافة إلى تقليل الهدر المادي عندما يكون الموضوع تحت إشراف مؤسسة واحدة، والأهم من ذلك أن متابعة جودة وسلامة الغذاء لابد أن تكون مرجعيته إلى مؤسسة واحدة متخصصة، ومثال ذلك نجد أن الأدوية يتمُّ ترخيصها من قبل البلدية، ولكن مرجعيتها مُسندة لوزارة الصحة من خلال المتابعة والمراقبة والتفتيش يقوم بها أشخاص متخصصون من وزارة الصحة، وفي الفترة المنصرمة التي كان يعمل بها مركز جودة وسلامة الغذاء، نجد أن الموضوع كان موجودا في دائرة وأقسام متخصصة حسب علمي تقوم به دائرة سلامة الغذاء التابعة لمركز سلامة وجودة الغذاء بالمحافظات؛ من خلال أعمالها في متابعة المنشآت الغذائية والمنافذ الحدودية والأنشطة الغذائية المتنوعة.

وأخيراً... نجد أنَّ مُتابعة جودة وسلامة الغذاء في كثير من دول العالم تقوم به مؤسسات متخصصة؛ ففي دول مجلس التعاون الخليجي نجد أنها قطعت شوطًا كبيرًا في تخصيص هيئات تتولى مسؤولية متابعة جودة وسلامة الغذاء. أما في الدول الغربية، فهي سبَّاقة في هذا الموضوع منذ سنوات طويلة، ولديها هيئات متخصصة؛ لما له من أهمية في الوقاية من الأمراض والمخاطر المنقولة من الغذاء، في ظل التطوُّر المتسارع في التصنيع الغذائي وعمليات استيراد المنتجات المختلفة والمتنوعة، ونتمنى في السلطنة أن تتولى فيها مؤسسة واحدة عملية الإشراف على جودة وسلامة الغذاء من أجل توفير بيئة غذائية صحية، تقوم هذه المؤسسة بمسؤولية المتابعة والمراقبة لجودة وسلامة الغذاء بكل احترافية وبصورة مهنية متخصصة، وهو ما تصبو إليه المؤسسات الحكومية المتخصصة في هذا الموضوع، وكذلك ما يتمناه المستهلك سواءً كان مواطنا أو مقيما هو أهمية توافر غذاء سليم وآمن ومتوافق مع الاشتراطات الصحية التي تقي جسم الإنسان من الأمراض.