تنشيط السياحة لعلاج "كورونا"

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

 

لا شكَّ أنَّ جائحة كورونا تسبَّبت في الكثير من الآثار السلبية على اقتصادات العالم، خاصة الاقتصادات الريعية والناشئة، والتي وجدت نفسها تُقَاتِل من أجل البقاء والحفاظ على أدنى متطلبات الحياة بالنسبة لها، ومن هذه الاقتصادات اقتصاد سلطنتنا الحبيبة، والذي تلقَّى عددًا من الضربات المتتالية بدءًا من الأزمة المالية الناتجة عن الفجوة ما بين حجم الدخل وحجم الإنفاق، ثم انهيار أسعار النفط بصورة مفاجئة وغير مسبوقة، وصولًا لجائحة كورونا التي حجبت البلاد عن بعضها، إلى درجة الانعزالية السالبة بكل أعراضها وتداعياتها.

اليوم.. ونحن نفتح المجال لحركة السفر من وإلى السلطنة وعبر المنافذ الثلاثة: برًّا، وبحرًا، وجوًّا، ووفق الضوابط والاحترازات المطلوبة للوقاية من انتشار جائحة كورونا، علينا التفكير الجاد في خلق حالة من الانعاش الاقتصادي والنفسي للوطن والمواطن لتدب الحياة فيهما مجددًا، ونجبر ضررهما تدريجيًّا عبر حزمة من الإجراءات المتاحة ماليًّا وتشريعيًّا.

الحديثُ عن المقوِّمات السياحية لسلطنتنا الحبيبة، وإمكانية توظيف السياحة كرافد اقتصادي مهم، كالحديث عن تفسير الماء بعد الجهد بالماء، على اعتبار أنَّ هذه المقومات من المُسلمات التي تدركها الأعين والحواس والأبصار، والتي لا تحتاج إلى إقرار أو تذكير أو إنكار، ولكن الحديث هنا لن يكون من الزوايا التقليدية المتكرِّرة للتذكير بأهمية السياحة للسلطنة، والمقومات الطبيعية التي حبَاها الله لوطننا الحبيب والإستراتيجيات المطلوبة لاستثمار هذه المقومات، واستدرار عوائدها لخدمة الاقتصاد الوطني وتحقيق القيمة المضافة من هذا القطاع الحيوي والمهم.

نحنُ اليوم بحاجة ماسة لتفعيل الجوانب الاجرائية فقط لتحقيق الممكن من هذا القطاع دون ضرر أو ضرار، بعيدًا عن التنظير واستدعاء الآليات التقليدية للنهوض بهذا القطاع لتحقيق عوائد مالية ذات قيمة حقيقية للاقتصاد الوطني كالإنفاق المالي على تشييد المنشآت السياحية وتحسين البُنى الأساسية للمرافق والأماكن السياحية وخلافه؛ فهذه من المُسلَّمات والبديهيات، لكنها دعوات في أزمنة الرخاء والوفورات المالية، أما ونحن نمرُّ بجائحة من حجم كورونا وبأزمات مالية وتذبذب أسعار نفط؛ فعلينا حصر التفكير في تنشيط المرافق الموجودة وتنظيم تدفق السواح عليها من الداخل والخارج بصور ذكية عبر تبسيط إجراءات الدخول لأكبر عدد من الجنسيات لضمان تدفق حركة مسافرين تنشط القطاع الفندقي وتجبر ضرره، وتنشط معه حركة النقل الجوي والأرضي والعائد الملاحي والقطاع اللوجستي، على أن يكون هذا الإجراء لمُدَّة عام، من باب تجربة الانفتاح السياحي، وجدواه، وعوائده، وضوابطه، وسلبياته الفرعية والرئيسة؛ ليتم تقويم التجربة وجعلها إستراتيجية دائمة لاحقًا.

وبتنشيط القطاع السياحي ورفع سقف الجنسيات المسموح بدخولها للسلطنة، سنحقق دورة منافع تشمل شرائح مباشرة وغير مباشرة، بدءًا من انتعاش المرافق السياحية، مرورًا بالنقل الجوي وعوائد رسوم الدخول والمغادرة، وغرامات المتخلفين، واستفادة قطاع النقل من مركبات إيجار ومرشدين سياحيين، وحركة تسوق وأعمال موسمية.

في تصوري أنَّ السلطنة أصبحت من الوجهات السياحية العالمية المعروفة بفعل سياستها وتاريخها وجغرافيتها وتنوع تضاريسها وقيم وأخلاق شعبها، وتتعاظم هذه المُسلمات والسمات وتتسع في عقول وأذهان الشعوب يوما بعد آخر، ويبقى العائق الوحيد والسؤال الشائع عن كيفية الدخول للسلطنة وزيارتها؟ وبالتالي؛ فإنَّ مجرد الإعلان عبر وكالات السفر العالمية وشركات الطيران عن رفع سقف الجنسيات المسموح لها بدخول السلطنة، والحصول على تأشيرات الدخول عبر المنافذ الجوية والبرية والبحرية بيُسر، سيحقق العوائد المرجوة من قطاع السياحة إلى حدٍّ كبير.

ويُمكننا تحديد سقف كلي لعدد السياح خلال العام كمثال بـ12 مليون سائح بمعدل مليون سائح شهريًّا لتحقيق التوازن بين القدرة الاستيعابية للمرافق السياحية القائمة والممكنات اللوجستية الضرورية الأخرى من وسائط نقل وبُنية أساسية وخدمات اتصالات دون الحاجة لإحداث المزيد في الوقت الحاضر، مع التذكير بوجود أكثر من 23 مليون وافد مُقيم في أقطار الخليج يتمتع جزء مهم منهم بقدرة شرائية ودخول جيدة يمكن التعويل عليهم، واستقطابهم بسهولة في ظل توافر حركة النقل من وإلى السلطنة، وفي جميع المواسم وكافة الأوقات، ناهيك عن القادمين من خارج جغرافية أقطار الخليج العربية. كما يجب علينا التفكير الجاد في تقليل أيام العمل في السلطنة لتنشيط حركة السياحة الداخلية والتسوق بالتزامن مع تقديم حوافز وعروض جاذبة للمستهلك المواطن والمقيم.

------------------------

قبل اللقاء: "فلندع الخوف وراءنا وننقذ الوطن" - سيمون بوليفار