الأهالي يأملون تحويلها إلى واجهة سياحية ترفد ولاية أدم بعوائد اقتصادية

"حارة بني شيبان".. أثر تاريخي شاهد على عمق الحضارة العمانية تنتظر الترميم

...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...

أدم- الرؤية

تتجلى أهمية حارة بني شيبان بولاية أدم في محافظة الداخلية، فيما تكشف عنه من عمق الحضارة العمانية التليدة، وبما يعكس علاقات السلطنة التاريخية والتجارية بالحضارات المجاورة في الحقبة الجاهلية ما قبل الإسلام، وما أن هلَّ بدرُ الدين الجديد في سماء عُمان، تسابق أهلها في الدخول إلى الدين الحنيف منذ وقت مُبكر لانتشار الدعوة، غير أن هذه الحارة لم تحظْ بالترميم رغم الوعود الحكومية بترميمها وإدراجها ضمن خطط الترميم منذ بداية التسعينيات؛ إذ يعول أهالي المنطقة المحيطة بهذه الحارة، لكي تكون واجهة سياحية ومهوى لأفئدة السياح، كما كانت مأوى للتجار القادمين من خارج عُمان منذ القدم.

"الرؤية" نقبت في تاريخ هذه الحارة عبر عدد من المصادر التاريخية، على رأسها "بهجة الأنظار في أخبار  ساكبية عمان: ولاية أدم.. عندما يشهد التاريخ وتتكلم الجغرافيا" لعماد بن محمد المحروقي، وكتاب "أدم.. ذاكرة التاريخ وذكريات الحياة" لسالم بن سعيد البوسعيدي، وكتاب "أدم عبر التاريخ"، فضلا عن الاعتماد على المصادر الحرة على الإنترنت.

وحارة بني شيبان من أقدم الحارات بالولاية وأعرقها تاريخيا ومعلما حضاريا عظيما من المعالم التاريخية التي أسهمت في رفع مكانة الولاية التاريخية والتجارية والحضارية والسياحية وإثرائها نظرا لانفرادها بمركزها التجاري ووجود أهم الأسواق التجارية القديمة والشامخة بها والذي كان يعرف بسوق الجاهلية أو السوق الكبير حيث تميز أهلها بالتجارة والصناعات الحرفية (كالذهب والفضة) وصناعة الفخار والسعفيات وكانت قوافل العرب التجارية في رحلة الشتاء والصيف بين الشام وعكاظ واليمن تتوقف في سوقها للمبادلة التجارية والاستراحة من عناء السفر واشتهر تجارها بالمهارة وبصناعاتهم المميزة في أفريقيا وزنجبار ودول الخليج العربية؛ حيث تعد الحركة التجارية في الحارة دليلا قاطعا على نشاط وخبرة الإنسان العُماني في ممارسة التجارة والصناعة والاحتكاك بالحضارات الأخرى في شبه الجزيرة العربية وأفريقيا منذ القدم وما نتج عنه من نمو في الحركة التجارية وانتشارها في كافة أرجاء الولاية والقرى التابعة لها والمناطق الشمالية والشرقية من عمان والوسطى من بحر العرب.

مميزات البناء

وتشير دراسات الباحثين إلى مجيء أهالي حارة بني شيبان من أوائل القبائل للاستيطان في ولاية أدم واختار أهلها المؤسسون موقعها الاستراتيجي بعناية ودقة مُتناهية لبناء وتشييد صرحهم المعماري فهي تقع في شرق مركز ولاية أدم على تلة طبقية مرتفعة عما حولها من المناطق جعل منها عامل حماية محكم لصد هجوم الأعداء عبر الأزمنة المختلفة ولعب دورا كبيرا في حمايتها من جريان الأودية والشعاب المحيطة بالولاية. وتتميز بتخطيطها وتكوينها الإنشائي والمعماري التجاري الفريد من نوعه؛ حيث شيدت بشكل شبه دائري مغلق يتخذ شكلا طوليا يمتد من الشمال إلى الجنوب لايمكن الدخول إليها إلا من الباب الرئيسي للدروازة يتم إغلاقه ليلا ولا يسمح بدخول الأشخاص إلا من بعد معرفة هويتهم من قبل الحراس، ومحاطة بأربعة أبراج دفاعية وهي برج الصباح الذي يعد أعلى برج أثري في الولاية مبني بالطين ويعتبر من النماذج النادرة للأبراج الدائرية الطينية المكونة من أربعة طوابق وبرج عامر وبرج ذخير وبرج ساعد التي لم يتبق منها في الوقت الحالي إلا برجان وهما (برج ذخير وبرج عامر) وتتميز ممراتها المقوسة في الطرقات العامة والمداخل حيث يوجد بها عدد من المحلات التجارية المتميزة بصغر حجمها وكثرة رفوفها والتي يصل عددها إلى 29 دكانا في الطابق الأول تعلوها البيوت في الطابق الثاني والتي تقدر بقرابة 70 بيتاً متلاصقة ومتداخلة مع بعضها البعض تأثرت بالزحف العمراني وعوامل المناخ مما أدى إلى تقلصها وتهدم جدرانها وتناثر عبقها التليد. وتنتشر آبار المياه الأثرية العامة والخاصة في جنبات وأزقة الحارة ومساكنها والتي يقدر عددها بعشرة آبار مائية.

ويحد الحارة من جهة الغرب أراضٍ زراعية ساعدت على تلطيف درجات الحرارة داخل أزقة ومساكن الحارة صيفاً وتوفر الظل والأجواء اللطيفة للقاطنين والمارة والتجار خلال فترة النهار في فصل الصيف وحمايتهم من أشعة الشمس الحارقة.

وفي بدايات عصر الإسلام امتد صرحها المعماري وتم بناء أول مسجد بها يسمى مسجد السوق الصغير ومع توسع الإسلام وتزايد أفواج المعتنقين لهذا الدين الحنيف وزيادة عدد الأهالي تم بناء مسجد السوق الكبير عام 718 هجري ملاصقاً لمسجد السوق الصغير ليتسع للمصلين في الحارة والوافدين إليها للتجارة والتبضع، وإقامة حلقات العلم، وكذلك تكمن أهميته التاريخية والحضارية كونه ملاذ المتخاصمين في حل وفض النزاعات والحروب القبلية المنتشرة بالولاية وإقرار الصلح وتمديده بين الأطراف المتنازعة قبيل قيام النهضة المباركة. وفي الجهة الجنوبية يوجد مسجد راشد ومدرسة لتعليم القرآن الكريم ومصليان للنساء بينما يقع المجلس العام للأهالي بجانب مسجد السوق الكبير وبالقرب من برج الصباح الذي تقام فيه الأفراح والأتراح.

وما يميز مساكن الحارة وأزقتها أنها سميكة مبنية من مواد محلية كالطين والحجارة ومادة الصاروج الذي يبرز في بعض المساكن والجدران والأقواس والأعمدة بالممرات وأعمدة مسجد السوق الكبير، ويستخدم سعف وجذوع النخيل والطين والصاروج في تغطية وبناء الأسقف.ومعظم المساكن بالحارة عبارة عن طابقين الأول عادة ما يتكون من المحلات التجارية وفناء لاستقبال الضيوف وغرف للتخزين ومطابخ وأماكن لطحن الرحى وتربية الحيوانات مثل الأغنام والأبقار، بينما يحتوي الطابق الثاني على غرف السكن والنوم.

العلاقات التجارية

ويغلب الطابع التجاري على الحارة مما جعلها مُميزة ومنفردة بمركزها التجاري القديم وتعد السوق التقليدي القديم للولاية، وتشير المصادر إلى أنها كانت مركزا تجاريا نشطاً لالتقاء التجار والقوافل التجارية القادمة من الشام وعكاظ واليمن والحجاز في عصر الجاهلية وكذلك المناطق الشمالية والشرقية والوسطى من بحر عمان قديماً واشتهر أهلها بممارسة عدد من الأنشطة التجارية مثل صياغة الذهب والفضة كالمرضية والزراد والبنجار والحجل والنطل والمرتعشة وصناعة الخناجر العمانية المعروفة بخناجر الطمس والخناجر الصورية التي تستجلب قرونها (النصلة) من أفريقيا وبيع وخياطة الملابس ودباغة الجلود بالإضافة إلى محلات بيع المواد الغذائية والتموينية كالتمور والحبوب والقهوة والسكر والبهارات والأسلحة التقليدية. وكان الإقبال على الصناعات الفضية والخناجر كثيرا حيث وصلت شهرة ومهارة تجارها وصناعاتهم إلى أفريقيا وزنجبار ودول الخليج العربية من بينها البحرين والكويت والسعودية. وتم العثور على بعض الآثار القديمة مثل السيوف والفخاريات والخناجر وقطع نقدية قديمة بالقرب من الحارة تدل على ذلك.

وانصبغت العلاقات التجارية على أسماء الأماكن العامة بالحارة كالمساجد الأثرية القديمة مسجد السوق الكبير ومسجد السوق الصغير الملاصق للمسجد الكبير من جهة الجنوب الذي تم بناؤه في بداية العصر الإسلامي ويدل ذلك على دخول أهل عُمان المبكر في الإسلام.

أبرز العلماء

وتربى في أحضان هذه الحارة عدد من العلماء والأدباء قد يصل عددهم إلى 13 عالما وأديبا، كما روي من أبرزهم: الشيخ القاضي محمد بن سيف الشيباني وهو من فقهاء القرن الثاني عشر ويعد من العاملين والمخلصين لدينهم ولوطنهم عاصر الفترة الثانية من الدولة اليعربية وكان والياً للإمام سيف بن سلطان اليعربي على إبراء وقد نسخ له في إبراء جزء من كتاب الشرع سنة 1445هـ وكانت ترد إليه المسائل من مختلف بلدان عُمان فيفتي فيها وتشير بعض المصادر إلى أن الشيخ كان أحد أعضاء هيئة الحل والعقد في زمانه الخالعين لسيف بن سلطان الثاني سنة 1446 هـ وأحد العاقدين لبلعرب بن حمير اليعربي في نفس الليلة 29 جمادى الآخرة 1446هـ 7 ديسمبر 1733م ومن آثاره العلمية منثورة الشيباني تحتوي على مسائل كثيرة في الفقه وأجوبة نثرية متفرقة في عدة مخطوطات لباب الآثار والمنثور في العلم المأثور وكنز الأديب وجامع المسكري وقاموس الشريعة وغيرها من كتب الفقه والأدب.

والشيخ الشاعر الأديب علي بن سعيد الشيباني، الذي عاش في القرن الثالث عشر الهجري له قصائد عديدة في مدح الشيخ محسن بن زهران العبري نقلت في كتاب تبصرة المعتبرين للعبري توفي عام 1290هـ.

والشيخ الفقيه الثقة محمد بن خلف بن قاسم الشيباني، وهو من الفقهاء البارزين في القرن الثاني عشر الهجري نسخ له كتاب الألفاظ في الفقه سنة 1145هـ.

ورغم أهمية الحارة التاريخية والحضارية والتجارية والسياحية وإدراجها ضمن خطط الترميم منذ بداية التسعينيات إلا أنها لم تحظَ بالترميم والاهتمام حتى يومنا هذا، ويزداد تهالكها وتهدم جدرانها يوماً بعد يوم، ويأمل الأهالي أن تسارع وزارة التراث والسياحة باتخاذ قرار حاسم للحفاظ على هذا الموروث الذي يعكس ويدلل على علاقة السلطنة التاريخية والتجارية بالحضارات المجاورة وتسابق أهلها في الدخول للإسلام منذ وقت مبكر لانتشار الدعوة حيث يمكن أن تكون الحارة واجهة سياحية ومهوى لأفئدة السياح كما كانت مأوى للتجار القادمين من خارج عمان منذ القدم.

تعليق عبر الفيس بوك