"المسرّحون".. وبارقة أملٍ في ليلٍ معتم

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

 

لك أن تتخيّل..أنه بعد سنوات طويلة من الخدمة، والتفاني والجد والاجتهاد في شركة ما تجد نفسك دون عمل، وأنك تواجه العالم وحدك، وأنك مُحاط بسلاسل من حديد تتربّص بك: قروض البنوك، التزامات أسرتك، فواتير الكهرباء والمياه والهاتف، مشتريات أطفالك، وغيرها من مصاريف لا حصر لها تهدّ كواهل الجبال، وتُسيل مدامع الرجال، لا شك أنَّك حينئذ ستشعر بكآبة العالم كلّه، وستجد نفسك قزماً وسط غابةٍ متشابكة الأغصان لا بصيص لها ولا نور، وأن عليك أن تجاهد وتحفر بأظافرك في صخرة الحياة كي توفّر لقمة يومك، دون أن يمتد طرفك للمُستقبل.

هذه الصورة التي يعتقد البعض أنها سوداوية، هي جزء من مشهد يوميّ واقعيّ يمر على كثير من الذين تمَّ تسريحهم من العمل في القطاع الخاص بسبب جائحة "كورونا"، والذين وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام واقع جديد لم يكن في حسبانهم، كثيرٌ منهم عملوا في شركات كبيرة استفادت من خيرات هذا البلد في وقت الرخاء، لكنها لم تستطع الصمود في وقت الشّدة، ووجدت نفسها هي الأخرى- في أحيان كثيرة- مضطرة لفصل هؤلاء الموظفين لعدم توفّر عقود عمل حكومية- كانت تعتاش عليها- كبعض شركات النفط والمقاولات الكبرى، بينما وجدتها شركات أخرى فرصة سانحة لتقليص أعداد الموظفين وتقليل تكلفة التشغيل والإنفاق، وجميعها تعلّق الأمر على شّماعة "كورونا" وهي شمّاعة حقيقية- للأسف- وليست وهميّة، ولكنها أضحت هي الذريعة التي يتم عبرها فصل العمال، وتقليص رواتبهم، ورفض مطالبهم الحقوقية، ورغم تدّخل وزارة العمل في وقف هذا التعسّف، إلا أنَّ الشركات لجأت إلى وسيلة "التقاعد المنزلي" دون راتب للموظف إلى حين حل الأزمة، يعني "كأنك يا بو زيد ما غزيت".

ولعل في "صندوق الأمان الوظيفي" الذي أمر به السلطان المُعظم بارقة أمل لهؤلاء المسرّحين، وساحل يرمون عليه شراع التفاؤل في هذا الليل العتيم، وهم ينتظرون الموعد والتاريخ الذي سينطلق فيه الصندوق ليخفف عنهم مُعاناتهم، ويُشتت مخاوفهم، ويكون لهم طوق نجاةٍ في بحر المشكلات التي نزلت عليهم، فالبنوك تُطاردهم، وقضايا الشيكات تفتح فمها لتفتك بهم، ومذكرات إلقاء القبض تتربّص بهم، ومصاريف المنزل تحيط بهم، والفواتير تنهال عليهم، وهم لاحول لهم ولا قوّة إلا بالله.

لقد اضطر بعض هؤلاء المسرّحين للجوء إلى الجمعيات الخيرية لسد احتياجاتهم الأساسية، وأصبحوا يشكّلون عبئاً إضافياً على هذه الجمعيات في ظل تراجع إيراداتها، وتعدد أوجه الصرف في بنودها، والتي هي مُوجهة أساسا إلى الأسر المُعسرة، وهي تعاني من عزوف الشركات الداعمة عن التبرّع لها بسبب الخسائر التي يتكبّدها القطاع الخاص خلال هذه الفترة، ورغم أنَّ آخرين آثروا أن يكونوا (أسرا متعففة) إلا أنَّ مجتمع البِّر والتكافل لم يتغافل عنهم، وهو يحاول أن يخفف من وطأة معاناتهم، ولكن إلى متى سيظل الحال؟!

إنَّ هذه القضية الوطنية الإنسانية الحسّاسة هي قضية عامة، ولا تتعلّق فقط بمجموعة محدودة، فهي إحدى القضايا التي تشغل الحكومة، ولا شك أنَّ لديها أفكارا ورؤى واضحة وجذرية تستطيع بها حل وحلحلة هذه المعضلة، والتي هي جزء يتمدد ويزيد من طابور الباحثين عن عمل، وإذا لم تتداركه الحكومة بحكمة فقد تكون له آثار سلبية لا يمكن تصوّرها، كما أن على القطاع الخاص أن يقوم بدوره في إعادة تشغيل هؤلاء المسرّحين ولو براتب أساسي إلى حين انتهاء السبب، هذا إلى جانب ضرورة التكاتف والتكافل الاجتماعي الذي له دور كبير في تخفيف الآثار النفسية والمادية على هؤلاء المسرّحين والذين هم إخوة لهم قبل كل شيء، وذلك من خلال إما المساعدة المباشرة، أو التبرع للجمعيات الخيرية التي تحاول أن تمد يد العون لهم، قدر إمكانياتها المحدودة، كما إنّه يجب وقف إصدار مذكرات إلقاء القبض أو إصدار أحكام قضائية نافذة على هذه الفئة إلى أن تتحسّن ظروفهم.

ولا شك أنَّ مُجتمعا عظيما ومتديّنا ومحبّا للخير كالمجتمع العماني قادر على تجاوز أكبر العقبات، والتعاضد في وجه هذه الجائحة التي نسأل الله أن تكون مُلهمة للجميع كي يستفيدوا من دروسها الصعبة والقاسية حد البكاء.