عهد الثواب والمحاسبة

 

د. خالد بن علي الخوالدي

Khalid1330@hotmail.com

عهد سُّلطاني مُتجدد ينطلق بعُمان نحو العلا والتقدم، يهدف إلى رسم خارطة طريق لمستقبل هذا البلد "رؤية 2040"، وهذا الطريق طويل وشاق ومجهد وبه العديد من المطبات والتحديات التي لن تُذلل إلا بتعزيز المجتهد ومحاسبة المقصر والمتهاون والمخطئ كل حسب خطئه، فالمحاسبة ضرورية ومُلحة حتى لا نجعل الحبل على الغارب وتنفلت الأمور من أيدينا.

الشارع العُماني ينظر بأمل منقطع النظير إلى أن تحقق رؤية 2040 أهدافها المرسومة بنسبة كبيرة، وأمله هذا مبنيٌّ على الاهتمام الواضح من لدن المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق –حفظه الله ورعاه- لتنفيذ هذه الرؤية بتطلعات سامية وحرص كبير على تحقيق الإنجاز تلو الإنجاز على كافة المستويات، وهذا الأمل المعقود لابد أن يُواكبه محاسبة صارمة وصادقة فنحن لعُمان وعُمان لنا وهي فوق الجميع، ولا نقبل التهاون والتراخي الذي يقود إلى التراجع والانهزام من قبل المسؤولين في مختلف قطاعات الدولة.

والمحاسبة الأمينة سوف تساهم في رفع كفاءة الأداء للمستويات الإدارية والمالية وتوجيه القرارات الإدارية نحو معالجة الانحرافات وتؤدي إلى تحقيق الأهداف الإستراتيجية والآمال الشعبية، والمحاسبة نهج إسلامي مترسخ علينا ألا نُهمله فقد قال تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مسؤولون) فإذا كانت هذه المساءلة في الآخرة ففي الدنيا أولى حتى يصحح ما أفسده ويستغفر ويتوب إلى خالقه، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، وهذه المسؤولية هي في الأصل تكليف وليست تشريف، وعلى كل مسؤول تحمل هذا التكليف ومحاسبته على التقصير والخطأ.

وهناك أخطاء كثيرة ومُتعددة كلفت الدولة ملايين الريالات ولم نرَ محاسبة لمن ساهم فيها وخطط لها بل ظلت هذه المشاريع صامدة تحكي الواقع المُؤلم للتخطيط الفاشل، ونذكر منها ميناء الخابورة وجسر مجز الصغرى بولاية صحم والذي نفذ على مجرى وادٍ ولم يُحقق الهدف المرجو منه، ونذكر الهفوة الكبيرة في طريق مسقط الجنوبي السريع حيث أقيمت خرسانات الجسور على حد الحارة الثالثة والتي تمنع مستقبلاً إقامة حارة رابعة وما مبنى وزارة التربية والتعليم ببعيد وغيرها من الأخطاء التي تُكلف الدولة ملايين الريالات ولا تحقق الهدف المرجو منها، ناهيك عن خسائر أغلب الشركات الحكومية وترهل الجهاز الإداري للدولة والفساد الإداري والمحسوبية واستغلال السلطة والقرارات التي تمس المواطن في رزقه ولقمة عيشه وغيرها الكثير من الإخفاقات التي لا يتسع المجال لذكرها.

وإذا قلنا عفا الله عمَّا سلف ونفتح صفحة جديدة تنظر إلى المستقبل بعين الأمل والتطلع إلى أن يكون العهد الجديد مفتاح خير على هذا الوطن فإنَّ هذا العفو يجب ألا يستمر، فمن يخن الوطن ويساهم في تكليفه الخسائر المادية والمعنوية يعاقب على تصرفه حتى يكون عبرة لغيره، وليدرك أنَّ المحاسبة قائمة عليه حتى لا نقول فيما بعد "من أمن العقوبة أساء الأدب" وعلى الأجهزة المسؤولة في الدولة ألا تجعل محاسبتها على من ينتقد المسؤولين في الدولة الانتقاد البناء وتخاف عليهم من التحسس كما كان سابقاً، بل عليها التحقق من الحديث وتحاسب القائم والمتسبب وليس المنتقد.

حان وقت الحساب ولا تراجع، إلى الإمام إلى الإمام، وعلى السلطة الرابعة (الصحافة بأنواعها) أن تمارس دورها الحقيقي والمعهود منها دون خوف ولا وجل، فلن تستقيم الأمور إذا ظلت الصحافة على ما هي عليه من السكوت على الخطأ والتقصير والإهمال وعدم انتقاد الخطأ والتقصير في الواجب الوطني المطلوب من كل جهة حكومية، وعلينا جميعاً أن نجعل من عُمان هدفنا الأول والأخير، وعندما ننطلق من هذا المنطلق سوف تكون الرؤية موفقة والهدف مُحققاً، وفي ظل المُحاسبة سيتحقق المنشود والمرتجى مع الأخذ في الاعتبار تعزيز أصحاب الإنجازات غير العادية على كافة المستويات، ودمتم ودامت عُمان بخير.