◄ المسح المصلي في أي دولة يهدف لمعرفة انتشار الأجسام المضادة بين السكان
◄ العالم لم يطور مناعة قطيع ضد أمراض فتاكة مثل الكوليرا والملاريا
ترجمة - رنا عبدالحكيم
يَتَزايد استخدامُ مصطلح "مناعة القطيع" منذ بدء تفشي جائحة "كوفيد 19".. فماذا يعني هذا المصطلح؟ وكيف استُخدمت "مناعة القطيع" كإستراتيجية لقاح لأمراض مثل الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية؟
تجيب عن هذه الأسئلة ديفي سريدهار رئيسة قسم الصحة العامة العالمية في جامعة إدنبرة البريطانية، والمستشارة للحكومة الأسكتلندية حول "كوفيد 19"؛ حيث تقول سريدهار -في مقال عبر موقع "ذا سكوتسمان (الأسكتلندي)"- إنه في ظل عدم التوصل إلى لقاح، فقد يستغرق بناء المناعة على مستوى السكان ضد فيروس كورونا عامًا أو أكثر، رغم أنَّ الإصابة بالفيروس لا توفِّر بالضرورة حماية دائمة.
وتعنِي مناعة القطيع تلقيح الجزء الأكبر من السكان؛ وبالتالي منع الانتقال المستمر لهذه الأمراض المعدية وحماية المستضعفين (مثل الذين يعانون من ضعف المناعة) الذين لا يُمكنهم الحصول على اللقاح. وفي حالة عدم وجود لقاح؛ فتطبيق مناعة القطيع يعني ضرورة إصابة 50% إلى 80% من السكان بالفيروس، ومن ثمَّ يطورون أجسامًا مضادة أو استجابة للخلايا التائية، وتكون النتيجة أنهم سيتمتعون بحماية دائمة من فيروس "كوفيد 19" دون نقل العدوى للآخرين. وانتشرت الدعوة لإستراتيجية مناعة القطيع بدون لقاح كتقسيم السكان حسب العمر، ومطالبة الفئات الضعيفة/المسنة بـ"الحماية"، بينما ينتقل الفيروس عبر أعضاء المجموعة الشباب والأصحاء، والذين يشكلون في هذه الحالة "القطيع".
لكن لماذا يعد هذا نهجاً خطيراً؟ توضح سريدهار أنه -أولاً- الحماية الذاتية الكاملة لم تنجح في أي بلد، نظرًا للصعوبات في فصل الأصحاء عن الضعفاء؛ مثل أولئك الذين يعملون في دور الرعاية، أو الذين يعيشون في بيوت مع أبنائهم وأحفادهم وفي بعض البلدان أحفاد الأحفاد، أو الذين يدرسون في المدارس والعاملون في الخدمات الأساسية. وتساءلت ما إذا كان يعني هذا إخراج جميع الأطفال من المدارس الذين يكون آباؤهم أو أفراد أسرتهم في فئة ضعيفة، أو يعملون مع الفئات الضعيفة، مشيرة إلى أنَّ دول شرق آسيا لم تجرب هذا النهج، لكن اتبعته المملكة المتحدة والسويد وهولندا.
النقطة الثانية التي تتطرَّق لها سريدهار، أنه من غير الأخلاقي حبس الأشخاص المستضعفين وكبار السن في المنزل لفترة غير محددة من الوقت. وتوضِّح أنَّ المسوح المصلية الاستقصائية -التي تظهر مدى العدوى السابقة وانتشار الأجسام المضادة بين السكان -تقل عن 10% في بلد مثل أسكتلندا، مما يشير إلى أنَّ الأمر سيستغرق أكثر من عام -إنْ لم يكن أكثر- للوصول إلى نوع من المناعة السكانية.
وتُشير سريدهار إلى نقطة ثالثة، وهي أنَّ المناعة من هذا الفيروس لا تزال غير معروفة؛ حيث تم بالفعل توثيق العديد من حالات العدوى للمرة الثانية، ومن ثمَّ الإصابة بالفيروس مرة واحدة لا تضمن مناعة مدى الحياة، كما أن الفيروسات التاجية الأخرى لا توفر مناعة دائمة. وقالت: "السؤال الكبير هو ما إذا كانت العدوى مرة ثانية تجعل المصابين ناقلين للعدوى أيضا أم لا؟".
النقطة الرابعة التي تشير لها سريدهار تتمثل في أنَّ هناك حالات متزايدة من مرض "لونج كوفيد" (أو كوفيد المزمن)؛ وهي متلازمة مزمنة بعد الإصابة بكوفيد 19، تؤثر على الشباب الذين كانوا أصحاء سابقًا (تتراوح أعمارهم بين 30 و59 عامًا) والذين يعانون لعدة أشهر من التعب ومشاكل في القلب أو الرئة أو الكلى. وأوضحت أن "كوفيد 19" مرض متعدد الأنظمة، ودعوة الشباب للإصابة به لبناء مناعة القطيع، مقامرة كبرى على صحة الشباب في ضوء هذه المضاعفات، مشيرة إلى أنَّه لم يثبت علميا أنه فيروس غير ضار لدى جميع الشباب؛ ففي الولايات المتحدة دخل 935 طفلاً إلى المستشفى بسبب متلازمة الالتهاب متعدد الأنظمة (MIS-C) وهي حالة نادرة، لكنها تحدث إذا زاد انتشارها.
ومع سعي الدول للوصول إلى الحد الأقصى من الوضع الطبيعي، فإنَّ قمع الفيروس بشكل عام، يتطلب حدًّا أدنى من القيود، وكذلك حد أدنى من التأثير على الاقتصاد والمجتمع، وهذا هو التوازن الذي تحاول كل دولة تحقيقه. ولفتت إلى أن الإغلاق العام ليس أفضل طريقة، بل يجب اعتباره تدرُّجا للتحرك نحو مزيد من الاسترخاء أو مزيد من الصرامة اعتمادًا على مدى الرغبة في السيطرة على الفيروس.
ودعت سريدهار -في ختام مقالها- إلى الحذر من النظريات غير الواقعية، وتلك التي تقدم أكاذيب مطمئنة بشأن السياسة الناشئة عن ممارسات الصحة العامة وتاريخها. وحتى بعد عقود وقرون، لن يكون لدينا مناعة قطيع ضد الكوليرا والحمى الصفراء وشلل الأطفال والحصبة والسل والملاريا والطاعون؛ بينما تستخدم تدابير الصحة العامة للسيطرة على انتشارها إلى أن يتم تطوير اللقاحات أو إستراتيجيات التخلص من المرض.