غياب الإصلاح الشامل لسوق العمل

 

فايزة بنت سويلم الكلبانية

Faizaalkalbani7@gmail.com

 

تصدر وسم "هاشتاج" (#نرفض_قرار_وكيل_العمل) وسائل التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين، ووصل إلى قائمة الأكثر تداولاً "ترند" على تويتر، نتيجة لردود الأفعال المُتباينة بين مُؤيد ومُعارض لتبعات القرار الذي قضى بإلغاء الحد الأدنى للأجور المُرتبط بالشهادة (قرار الأجر السائد) والاكتفاء بالحد الأدنى للراتب والبالغ 325 ريالاً عُمانياً، بغض النظر عن شهادة الباحث عن عمل، باعتبار ذلك إحدى المبادرتين اللازمتين لتنفيذ خطة التوازن المالي متوسطة المدى (2020/ 2024) بجانب المُبادرة الأخرى المُتعلقة بمراجعة نسب التعمين المفروضة.

نعمل جاهدين على ألا ننظر للقرار بالنظرة العاطفية ولا التعسفية كما يُسميها البعض، ولكن كان لابد للتمهيد التدريجي والتوعية قبل اتخاذ مثل هذا القرار الحساس لكونه يرتبط بأكثر قضية مُجتمعية تمس المجتمع وتثير حماسهم نتيجة لانتظارهم الطويل وآمالهم المعقودة على تحسين أوضاعهم وإيجاد فرص عمل بأسرع وقت مُمكن، قد يتفق البعض معي، وفي المقابل قد لا يتفق البعض الآخر، ولكن اختلاف وجهات النظر لا يُفسد للود قضية.

إنَّ غياب المُشاركة المجتمعية التي اعتدنا عليها مؤخراً قبل اتخاذ مثل هذه القرارات كان سبباً في رفض الباحثين عن عمل للقرار، وعدم تقبلهم للتعميم مهما كان له من الإيجابيات، هذا إلى جانب تغييب دور وسائل الإعلام في التمهيد التدريجي لمثل هذه القرارات ولو من باب "جس النبض"، فسياسة "فرض الأمر الواقع" على المواطن وعليه أن يتقبلها مهما كانت الآراء مؤيدة أو معارضة لهذا التعميم فقط تطبيقاً وتنفيذاً لرؤية "جهة أو أكثر" قد يكون غير مقبول لدى شرائح مجتمعية، مع غياب آراء وأصوات الجهات ذات العلاقة، والتي من المفترض أن تكون لها الأولوية في ذلك وفق ما تابعنا.

كان من الأفضل دراسة سلبيات وإيجابيات القرار قبل تعميمه من باب تكاتف الجهود بين الجهات المختصة ومن خلال دراسة مستفيضة تأخذ بعين الاعتبار أطراف الإنتاج الثلاثة، وغيرها من الجهات ذات العلاقة كمجلس عُمان المتمثل بمجلسي الدولة والشورى وغرفة التجارة والصناعة واتحاد العمال.

ومن الواضح أنَّ "مُمثلي الشعب" أعضاء مجلس الشورى لم يتم اطلاعهم أيضاً على خلفيات هذا التعميم، ونستنتج ذلك من خلال تفاعلهم عبر التواصل الاجتماعي وحوارات البعض عبر القنوات الإذاعية، ورفضهم للقرار.

إنَّ مسألة التمهيد التدريجي لأيِّ قرار وتوعية الشعب بإيجابياته وسلبياته قبل إصداره سيكون لها قبول واستحسان وتأثير أفضل لدى المواطن مما حدث مع هذا التعميم.

أيضًا وجدنا تصريحاً لرئيس اتحاد العمال بالسلطنة عبر إحدى القنوات الإذاعية يؤكد أنهم كجهة تعمل على حماية حقوق العمال العمانيين، لم يتم الاستماع لهم ومناقشتهم قبل إصدار هذا القرار، وقد يكون كذلك الحال بالنسبة لغرفة تجارة وصناعة وعُمان، حيث إن مجلس إدارتها لم يكن على علم مسبق قبل إصدار القرار. فهل يعقل أن يتم تعميم مثل هذا القرار الذي يخص أطرافاً مختلفة دون أيّ مُناقشة أو علم مسبق لممثليها كما نستنتج من تصاريحهم التي تعبر عن  مُفاجأتهم؟

ومع عدم الأخذ بأيِّ آراء، سواء كانت سلبية أو إيجابية، كانت ردة الفعل أن ارتفعت الأصوات الرافضة عبر هاشتاج #نرفض_قرار_وكيل_العمل، رغم أنَّ المشاركة المجتمعية مثلت الأساس في آلية رسم ملامح رؤية عُمان 2040.

اليوم من الواضح أن بعض الشركات أثبت عدم تجاوبها مع النداءات التي تحث على المُساهمة في التوظيف لاحتواء الباحثين عن عمل وقد لا نلقي عليهم العتب نتيجة لما مرَّ عليهم من آثار سلبية وتراجع في الأرباح والدخل جراء تراجع أسعار النفط ثم انتشار فيروس كورونا، لكن ما قام به البعض من هذه الشركات ممن استغنت عن خدمات الموظفين العُمانيين وتسريحهم منذ الأشهر الأولى من انتشار كورونا رغم التسهيلات التي قدمتها الحكومة للشركات، إلى جانب خفض الرواتب من الشهر الأول للأزمة بشكل مبالغ فيه، يجعلنا لا نستبعد أن تعمل على استغلال هذا التعميم لصالحها، وتقف عند عرض الحد الأدنى للأجور لأيّ باحث عن عمل، ومن هنا نناشد وزارة العمل أن تُشدد الرقابة في قضية الإحلال العاجل إلى جانب إنصاف أصحاب المؤهلات، ويتبع ذلك قرارات تضمن لكل ذي حق حقه في آليات التنفيذ لهذا التعميم، بحيث تكون مصلحة الباحثين عن عمل لا تقل عن مصلحة أصحاب الشركات.

وإذا كان الهدف من هذا القرار هو السماح للفئة التي ترغب في التقدم لوظيفة أقل من مُؤهلاتهم العلمية وخبراتهم، فالأولى أن يكون هناك قرار "استثنائي" لمن شاء ذلك، وليس العمل على إلغاء الحقوق بمُساواة أصحاب المؤهلات الجامعية العُليا بتعبه واجتهاده بأصحاب الدبلوم العام، فمهما كانت رؤية أصحاب القرار من إيجابيات لهذا التعميم، لابد أن نضع السلبيات التي قد تفوق ذلك من خلال استغلال أصحاب الشركات والنفوذ حاجة الباحثين عن عمل ومساومتهم براتب لا يتناسب مع مُؤهلاتهم، وقد نصل إلى أن يكتفي البعض من أصحاب الشركات بالحد الأدنى للأجور 325 ريالاً، في ظل منافسة الوافدين وتمسك أصحاب الشركات بهم على حساب الموظف العُماني مهما كانت خبراته ومُؤهلاته، وهذا ما يحدث اليوم إلا قليلا وسط مطالبات العمانيين بالإحلال العاجل.

الأكيد أنَّ لهذا القرار جوانب إيجابية قد تنفع بعض الفئات، كما لا يُمكن أن نتجاهل أو نغض البصر عن السلبيات التي قد تترتب عليه لاسيما إذا لم تكن هناك قرارات تضمن تطبيقه بالشكل الصحيح.