"القدر في النار والتيس في الجبل"

 

على بن سالم كفيتان

 

ينطبق هذا المثل المُتداول في مُحافظة ظفار على من يُخطط لوحده دون الرجوع للواقع المُعاش والظروف المُحيطة بالناس فهو كمن يُوقد القدر بينما الذبيحة لا زالت حية ترعى في الجبل، تمنينا أن يتم البحث عن التيس وإحضاره قبل وضع القدر على النَّار لكن الظاهر أن الأمور باتت معكوسة أو أن أصحاب الوليمة يعلمون تحركات الراعي لذلك لن يُضيرهم ابتعاد القطيع فالوضع تحت السيطرة.

قال لي رجل عجوز ذات مرة: أتدري يا بُني لماذا أغنامي لا يأكلها الذئب رغم أنني أرعاها في مفالي الذئاب والنمور فقلت؛ ليتك تخبرني فقال؛ أعمد إلى الغنمة المريضة أو الضعيفة في القطيع وأتركها لهم ومن هنا حافظت على قطيعي وأطعمت هذه الكواسر المحيطة بي من كل حدب وصوب لحمًا هزيلاً وبهذا أصبحنا نتقاسم القطيع كل عام فأنا لي السمان وتركت لهم العجاف وهم راضون بهذه القسمة فترى الواحد منهم يتمخطر بين قطيعي وكأنه قائد يستعرض حرس الشرف.

إلى متى سيظل التيس طليقاً؟ بينما المرجل يغلي في انتظار لحمه الشهي وكم من الوقت سيكفي لاصطياده من البرية؟ وهل الراعي يعلم ما يُحاك للإيقاع بتيسه السمين المبتهج بالمروج الخضراء والغافل عن لهيب المرجل الذي لم تنطفئ ناره منذ نصف قرن أم أنَّ الراعي لا زال على خطته القديمة بأن يضحي بالهزيل من أغنامه ليُبقي على السمان.

ربما لن يكتفوا بقربان الراعي الذكي هذا بل سيكون على البقية تقديم المزيد من الأضاحي فالأمر لم يعد كما كان وعلى الجميع مُراجعة حساباته جيدا لكي يسلم من فك الذئب... البعض استسلم للأمر الواقع وسلم القطيع كاملاً والبعض لا زال يناور عله يستبقي شاة أو شاتين... سكن الليل وخطرت ببال شيخ القرية فكرة جهنمية وفي الصباح جمع الرعاة حول موقد النار فقال لهم بكل حزم لن يطعم الذئب أغنامنا بعد اليوم، ضحكوا جميعاً وقالوا: لا بد أنك لم تنم جيدا البارحة سنكفي عنك الرعي اليوم واسترح أنت، فصاح فيهم وقال: يجب أن نقتل الذئب، فرد عليه عجوز متسمر حول النار قائلاً ألا تعلم أن له أسياد من العالم الآخر أترك عنك هذا الحديث الذي لا ينفعك.

ذهبوا بأغنامهم إلى المرعى وظل صاحب فكرة الإطاحة بالذئب يُلاعب الأطفال ويجالس نساء القرية وفي المساء عادت القطعان وأفتقد تيسه الشجاع، فسأل الرعاة فأجابوه بأنَّ النمر زارنا اليوم وتركنا له شاة هزيلة وعندما اقترب منها ليجهز عليها دافع عنها صاحبك فوقف على رجليه لينطح النمر ولكنه فقد حياته مُقابل تلك اللحظات، فقال: رحم الله بر بكش (سلالة أغنام).

لا أدري لماذا قفز هذا المثل وتلك القصص الخيالية إلى ذهني فور علمي بقرار وزارة العمل الأخير حول فك الارتباط بين المُؤهل الدراسي والأجر الوظيفي في القطاع الخاص؟ فكيف بهذا القرار يقفز للعلن دون غطاء مُجتمعي (مجلس الشورى) أو تجاري (غرفة تجارة وصناعة عُمان) أوعمالي (اتحاد عمال السلطنة)؟ فقلت في نفسي إنها أولى الخطوات المرتبكة لوزارة العمل وعساهم يتداركوها!