علي بن مسعود المعشني
رحل عبدالقادر باجمال بصمت يُشبه الضجيج في قلوب محبيه وكل من عرفه من زوايا شخصيته بأبعادها المُتعددة، فهناك من عرف عبدالقادر باجمال الإنسان الحضرمي الوفي الصافي، وهناك من عرف باجمال المُتصوف الزاهد وهناك من عرف باجمال الأديب المحب للفن والفنانين والأدباء، وهناك من عرف باجمال المُؤرخ والمثقف العضوي المتفاعل مع محيطه، وهناك من عرف باجمال رجل الدولة القدير والسياسي المُحنك الممزوج من كل هذه الصفات والطباع.
ولد عبدالقادر بن عبدالرحمن باجمال في 18 نوفمبر 1946م بالغرفة، مديرية سيئون، محافظة حضرموت، وحصل على بكالوريوس تجارة من جامعة القاهرة عام 1974م، ودبلومات تخصصية في التخطيط والإدارة المالية. التحق بالعمل السياسي ضمن حركة القوميين العرب وترأس اتحاد الطلاب القوميين بالقاهرة، ونائبًا لسكرتير اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، ثم نائب أول لوزير التخطيط، ومُحاضرا في كلية الاقتصاد بجامعة عدن، ثم عضوًا باللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، فوزيرًا للصناعة عام 1980م، ووزيرًا للطاقة والمعادن عام 1985م.
أعتقل بعد أحداث 13 يناير الدامية بعدن عام 1986م وسجن ثلاث سنوات وثلاثة أشهر بتهمة النزعة الليبرالية ومُعاداة الاشتراكية السوفيتية، وشكل بعد خروجه من السجن مع رفقاء له اللجنة التحضيرية للحزب الوحدوي الديمقراطي عام 1989م.
في دولة الوحدة اليمنية 22 مايو 1990م، تولى العديد من المناصب منها، عضوية مجلس النواب، ورئيس الهيئة العامة للمناطق الحرة، ونائب لرئيس الوزراء وزير التخطيط والتنمية، ثم نائب رئيس الوزراء ووزير للخارجية، ثم رئيسًا للوزراء 2008—2001م. ينظر إلى عبدالقادر باجمال باعتباره أحد أبرز الشخصيات السياسية اليمنية في التاريخ المعاصر لليمن، والتي ارتبطت بها التحولات في اليمن لأكثر من عقدين من الزمن، وكان حضوره لافتًا خلال تلك الفترة بوصفه حليفًا قويًا للرئيس علي عبدالله صالح.
كان عبدالقادر باجمال حضرميًا أصيلًا بكل ماتحمله الكلمة من معانٍ، وكانت الصبغة الحضرمية ترافقه وتغلب عليه في حله وترحاله وفي جميع مراحل ومفاصل حياته وتاريخه الشخصي والرسمي، وكان على تواصل عضوي مع حضرموت والحضارم في حضرموت والمهجر، فقد كان حريصًا جدًا على حضور المناسبات والفعاليات الثقافية والدينية في حضرموت، كما كان حريصًا جدًا كذلك على تواصله مع حضرميته عبر صالونه الأدبي والثقافي بمنزله بصنعاء، والذي كان يشع منه الأدب والثقافة والتاريخ والسياسة والفن، ويحرص على ارتياده العديد من أبناء اليمن من كافة المناطق والنحل السياسية والمشارب الفكرية، لما عُرف عن الأستاذ عبدالقادر باجمال من سعة فكر ورحابة صدر ورجاحة عقل ووسطية وأعتدال في كل شيء، يضاف عليها ذائقته الفنية العالية، الأمر الذي حبب الناس به وجعل عقولهم وقلوبهم تهفو إليه بلا انقطاع.
كان عبدالقادر باجمال رجل دولة بكل المقاييس، ورجل فكر وثقافة بشكل موسوعي ومثقف عضوي لصيق بحاجات الناس وأطوار المجتمع وحراك الدولة، ومفكرا اجتماعيا خزينا وخليطا بين الموروث بنفيسه والعصرنة بمنافعها ومنطقها وعقلانيتها، وقد أضفت نشأته الأولى وتجربته الشخصية وتنقله وترحاله على شخصيته الكثير من الأبعاد والأطياف الفكرية، فكان رجلا ذا نزعة قبول وتقبل للجديد ومتفهم جدًا لمن يختلف معه، لهذا كانت دائرة أصدقائه تتسع للكثير ممن حوله مهما اختلفوا معه على اعتبار أنه من الشخصيات المتعددة الأبعاد التي يصعب حصرها في طيف فكري واحد أو في تصنيف جامع واحد وهذا ديدن الشخصيات الطليعية ممن حباهم الله بقدرات ومواهب فطرية طبيعية أولًا ثم زادت عليها الأيام والتجارب الكثير من النضج والسعة والعمق فخرجت من الحياة ولم تخرج من التاريخ ولا من العقل الجمعي لبيئاتها ومُجتمعاتها.
قبل اللقاء: رحيل عبدالقادر باجمال يُشبه حضرموت والحضارم في "مظلوميتهم" التاريخية الإجبارية منها والاختيارية كذلك والمليئة بالأضداد كثيرًا وما يُشبه المُتناقضات أحيانًا أخرى، حيث الغربة والاغتراب الممزوجين بالألم والأمل والمُعاناة والجاه معًا والزُهد والثراء والدين والدنيا.
وبالشكر تدوم النعم..