71 مليون شخص حول العالم مهددون بالانزلاق نحو "الفقر المدقع"

"كورونا" يقسو على "رئة الاقتصاد".. ولا نجاة دون إجراءات موسعة

العالم يعيش أزمة تاريخية.. تداعياتها تفوق كثيرا "كساد 1929"

400 مليون وظيفة بدوام كامل ضاعت في الربع الثاني من 2020

ترجمة - رنا عبدالحكيم

قال صندوق النقد الدولي إنَّ العالم اليوم يعيش مرحلة لا مثيل تاريخي لها، فلأكثر من ستة أشهر تكالبت المعاناة من عَواقب صحية واقتصادية وخيمة جراء تفشي جائحة "كورونا"؛ انهار معها النشاط الاقتصادي بشكل كامل، بقعل حالة الإغلاق التي أثارت مُقارنات مع الكساد الكبير الذي بدأ في العام 1929 "رغم أنَّ أزمة اليوم لا مثيل لها حقًا" - بحسب ما ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.

وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه إصدار حكم نهائي، إلا أنه من الممكن القول بالفعل إنَّ شدة وسرعة الانخفاض في الإنتاج الاقتصادي والتوظيف والاستهلاك خلال فترة "الإغلاق الكبير"، كانت أكبر بكثير مما كانت عليه في بداية كساد 1929.

إلى ذلك، تقدِّر منظمة العمل الدولية أن ما يعادل 400 مليون وظيفة بدوام كامل ضاعت في الربع الثاني من 2020، وأنَّ استطلاعات رأي أظهرت أنه بجانب الفيروس نفسه، فإنَّ البطالة هي أكبر مخاوف الناس، وأنه من المتوقع أن يكون التأثير على الفقر العالمي شديدًا؛ حيث يتوقع البنك الدولي وقوع 71 مليون شخص إضافي في براثن الفقر المدقع.

"فورين بوليسي" رأت أنَّ تأمين التعافي المستدام والخروج بشكل أقوى من الانهيار العظيم سيتطلب اتخاذ إجراءات على ثلاث جبهات؛ أولاً: إنهاء الأزمة الصحية بشكل دائم وفي كل مكان، ثانيًا: أن يكون الأشخاص قادرين على إيجاد وظائف منتجة. وأخيرًا: يجب أن يكون المستقبل أكثر استدامة وشمولية.

وفي الوقت الذي بدأ العالم يتأقلم فيه على التعايش مع "كورونا"، فإنَّ الشفاء التام غير مُرجَّح بدون حل طبي دائم، ومن ثمَّ فإنَّ عدم اليقين المستمر بشأن الفيروس والخوف من تكرار تفشي المرض يُلقي بثقله على التنقل وثقة المستهلكين والشركات، وبلا شك سيؤدي توافر لقاح أو علاجات إلى رفع التوقعات العالمية ماديًّا.

وأكدت المجلة أنه وفيما يتعلق باللقاح، فإنه من الواجب -وبشكل عاجل- ابتكار حلول متعددة الأطراف لثلاثة تحديات تلوح في الأفق: الإنتاج في الوقت المناسب، والإمداد الكافي عالميا، والتوزيع العادل.

وبالمقابل، برهنت تفاصيل المشهد العالمي اليوم أنَّ فقدان الوظائف مرتبط بضرر طويل الأمد للإنتاجية والأجور ورأس المال البشري، وأنه من الضروري دعم الشركات للحفاظ على الوظائف، فبالنظر إلى شدة الصدمة، يبدو من الواضح أن بعض القطاعات التي تتطلب اتصالًا وثيقًا بين الأشخاص كالسفر، قد تتعرض للانهيار المطول، وسيتطلب هذا تدريجيًا فك شريان الحياة الممتد إلى هذه الشركات؛ بحيث يمكن إعادة تخصيص العمالة ورأس المال بعيدًا عن هذه القطاعات المتقلصة إلى قطاعات متنامية مثل تجارة التجزئة عبر الإنترنت وغيرها من التجارات الإلكترونية.

وعلى أية حال، لا تزال التحديات طويلة الأجل؛ كتغيُّر المناخ وعدم المساواة والتنمية المستدامة، مهمة كما كانت دائمًا. كما أنه ولتعزيز التعافي الاقتصادي يُمكن للحكومات تسريع الاستثمار الأخضر وتنفيذ إستراتيجيات جيدة التسلسل لتخفيف تغير المناخ؛ إذ يُمكن للنهج ذي الشقين للتخفيف أن يساعد في إحراز تقدم أسرع نحو خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ فالشق الأول هو دفع الاستثمار الأخضر الذي يدعم الانتعاش السريع، والثاني الشروع في مسار واضح نحو ارتفاع أسعار الكربون التي تحفز الشركات والأسر على التحول إلى الأنشطة منخفضة الكربون ومصادر الطاقة، مع توليد بعض الإيرادات المطلوبة للاستثمار الأخضر وخفض الدين العام.

وأبرزت المجلة كم أدى الوباء إلى تفاقم عدم المساواة في الدخل والفرص؛ من خلال تأثيره غير المتناسب على العمال ذوي المهارات المتدنية والنساء والشباب، وأولئك الذين كانوا يعيشون بالفعل على هامش المجتمع.. منبهة إلى أنَّه قد يعاني الأطفال الصغار خاصة أولئك الذين ينتمون إلى أسر فقيرة، من خسائر دائمة في بناء رأس مالهم البشري بسبب نقص التعليم المدرسي والتغذية الكافية والوصول إلى الخدمات الطبية، وأنه سيكون لهذه الخسائر آثار تستمر مدى الحياة؛ مما يزيد من عدم المساواة ويقلل من الحراك الاجتماعي.

وعلى ما يبدو أنَّ حكومات العالم اليوم باتت مطالبة بمعالجة التفاوتات المتزايدة بإجراءات شاملة وواسعة النطاق، كضمان توفير الخدمات الصحية الأساسية، وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي، وتمكين التوزيع السريع والعادل للقاح بمجرد توفره، إضافة للحفاظ على الوصول للتعليم مع تدابير لضمان استفادة جميع الأطفال في سن المدرسة من التعلم عن بُعد، فالمستقبل المستدام يتطلب موارد مالية مستدامة.

تعليق عبر الفيس بوك