نحو مشاريع مستدامة لأطفال التوحد

سلمى بنت علي العلوي **

جاءت جائحة كورونا هذا العام وشهدنا جميعاً في هذا البلد المعطاء تكاتف جهود أفراد ومُؤسسات المُجتمع العُماني للمُساهمة في التخفيف من حدة هذه الأزمة في جميع القطاعات، وأكثر ما لفت انتباهي كثرة مُبادرات أصحاب الأيادي البيضاء، وحرصهم على البحث هنا وهناك عن مواضع تستحق المُبادرة والمُساعدة لتقديم العون، مما جعلني أشعر أنَّ هناك أمل في هذا البلد الرائع للتخفيف من حدة الأزمات أياً كان نوعها، وأنَّها بلد تحتضن الصعوبات والتحديات وتُعالجها بحكمة وتعاون، وهذا ليس بغريب على العُمانيين فهذه سماتهم التي عرفوا بها منذ القدم، هم روح واحدة ويقفون صفاً واحدًا إذا ما شعروا بوجود خلل ما في مُجتمعهم، كما لاحظت أنَّ هذه الأيادي البيضاء الخيرة تحتاج إلى من يدلها على من هو بحاجة إلى الدعم والمُساندة.

ومن هذا المنبر، أود لفت الانتباه إلى أنَّ هناك فئة في المجتمع تحتاج إلى أن نُسلط عليها الضوء ألا وهي فئة أطفال التوحد، الفئة التي علينا منَّا أن نتكاتف معهم ونساندهم للاندماج في المجتمع، وإتاحة الفرص لهم لمواصلة حياتهم بشكل طبيعي.

علاوة على مساندة أسرهم التي أرهقها القلق والتعب والتفكير في مُستقبل أطفالها، وأرهقتها التبعات المادية التي تترتب عليهم في سبيل تأهيلهم وتدريبهم.

والجهات المسؤولة في الدولة لم تقصر في مجال تأهيل أطفال التوحد؛ فهناك مراكز مختصة في هذا المجال، كما أن هناك العديد من الجهات التي تقدم لهم مبادرات بين الفينة والأخرى، ولكن الطفل التوحدي بحاجة إلى دعم مُتواصل وتدريب مستمر طوال اليوم، وليس فترة الصباح فقط.

ومن خلال تجاربي مع أطفال التوحد فإنَّ الطفل التوحدي بحاجة مستمرة ومتواصلة إلى التدريب على مُمارسات من الممكن أن تدمجه اجتماعيا، وتنميه لغوياً، وتعززه عاطفياً في فترة تواجده خارج مراكز التأهيل لاسيما الفترة المسائية، ولما كانت المؤسسات القليلة والنادرة التي تقدم خدمات لأطفال التوحد في الفترة المسائية تبالغ في أسعار الخدمات المُقدمة لهم بشكل يقارب الضعف عن بقية الأطفال في المجتمع استوقفني الحزن، وبقيت ساكنة لهذا الاستغلال الذي يلحق بالطفل التوحدي، ويزيد من كربته كرباً عديدة، ويكلف ولي الأمر مصاريف كثيرة يدفعها برغبة منه سواء كان متمكناً مادياً أو غير ميسور الحال للتخفيف من حدة اضطراب طفله الذي وضعه القدر فيه مجبرا لا مخيرا.

هنا... ماذا عسانا أن نقول؟!

من وجهة نظري لو تكاتفنا جميعاً لتنفيذ مشاريع مستدامة خاصة لأطفال التوحد كإنشاء نوادٍ خاصة لتدريب الأطفال التوحديين على ركوب الخيل، ونوادٍ تدربهم على السباحة، وملاعب لكرة القدم وغيرها من الرياضات التي ينجذب لها الطفل التوحدي، ونوادٍ ثقافية تُقدم ورشا تعززهم لغويا واجتماعيا، ومراكز للعلاج الطبيعي تدعم الخدمات التي تُقدمها الحكومة وغيرها من المشاريع لقضاء بقية يومهم فيها على شكل (وقف) لهذه الفئة، أو تكون بسعر (رمزي أو مجاني) حتى ننقذ هذه الفئة من الاستغلال المُبالغ فيه عند توجههم لأي نادٍ خاص لطلب خدمة تشابه الخدمة المُقدمة لأقرانهم في المجتمع، أرى أن هذه المشاريع والتي أثبتت الدراسات جدواها في التخفيف من حدة الأعراض التي يُعاني منها أطفال التوحد ستكون عوناً للأطفال وأسرهم علاوة على المردود النفسي والصحي لهم، كما أن الاهتمام بهذه الفئة منذ الصغر هو مكسب للدولة لأنه سيخلق جيلاً معافى وسيُخفف من التبعات التي ستلحق بمختلف القطاعات في حالة تفاقم الاضطراب وعدم الحد من انتشاره والتخفيف من حدته.

ومن هذا المنطلق، أرى أنَّ قضية التوحد ليست خاصة بجهة حكومية مُعينة إنما هي قضية مجتمع تتطلب تكاتف الأفراد، ومؤسسات المجتمع المدني والحكومي ونأمل من  الجميع أن يُساهم كل حسب استطاعته حتى نخفف العبء عليهم، وننتشلهم من هذا اللغز المُحير الذي يجتاح الأطفال بشكل متزايد لاسيما وأن اضطراب التوحد هو اضطراب مكلف ماديا، ويستنزف ما تمتلكه أسر الأطفال التوحديين بشكل كبير، إضافة إلى أنَّ هذا الاضطراب لا يوجد له علاج طبي فتجد ولي الأمر يُجرب جميع الاجتهادات المتاحة التي بحث فيها المختصون حول العالم، على سبيل المثال تجده تارة يطبق حمية غذائية قد تمتد إلى سنوات وما يُرافقها من مبالغ طائلة وقد تكون دون جدوى أو ذو فائدة بسيطة تلاحظ على الطفل، وتارة يسافر خارج وطنه ليبحث عن حلول وغالباً ما يرجع خائباً أو بنتائج بسيطة، وتارة ينتقل من محافظته البعيدة ويستقر في العاصمة لتوفر الخدمات المُقدمة لرعايته، فتجده في حالة قلق وتفكير مُستمر.

وأخيراً أختم مقالي بقول "هنيئاً لمن يخفف عن هؤلاء الأطفال وأسرهم هذه المُعاناة"، حفظ الله الجميع وأعان طفل التوحد ووالديه.

** باحثة دكتوراه بكلية التربية في جامعة السلطان قابوس، ومدربة معتمدة في مجال الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة