شرط الـ600 ريال حدا أدنى يُعرقل حصول الشباب على الوظائف

"قرار غير رسمي" يحول دون تعيين آلاف الجامعيين

 

◄ السيابية: منذ 6 سنوات أبحث عن وظيفة دون جدوى.. وأوافق على أيِّ راتب

◄ البلوشية: الشركات ترفض دفع 600 ريال لخريج لا يملك أي خبرة عملية

◄ خفض "الحد الأدنى" يسهم في توظيف الآلاف من الجامعيين براتب أقل من 600 ريال

◄ العنسي: القطاع الخاص يُناشد تطوير عقد العمل وإلغاء "الحد الأدنى"

◄ الراشدي: لا قانون ولا قرار رسميا باشتراط حد أدنى للجامعيين

◄ البوسعيدي: يجب تطبيق قاعدة العرض والطلب وإلزام الطرفين بعقد عمل قانوني

 

الرؤية - نجلاء عبدالعال

 

مع إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة تحولت مسؤولية التشغيل والتوظيف في مُختلف الجهات، إلى وزارة العمل، وهي الوزارة التي تجمع ما يتعلق بالعمل في الجهاز الإداري للدولة (نظام الخدمة المدنية) أو في القطاع الخاص "القوى العاملة سابقاً"، ومع الهيكل الجديد يتطلع أصحاب العمل والباحثون عن عمل- معًا- نحو بدء مرحلة جديدة تتقارب فيها المصالح بدون شرط الحد الأدنى لرواتب الجامعيين في أول تعيين، وهو الأمر الذي يجري تنفيذه دون قرار رسمي صادر عن أي جهة في الدولة.

هذه ليست شكوى من أصحاب العمل في القطاع الخاص وحسب، بل العشرات من خريجي الجامعات الذين تواصلت معهم "الرؤية" ويسعون لبدء حياتهم العملية بعد التَّخرج، يشكون من هذا الشرط غير الرسمي، ففي كثير من الأحيان يحصلون على فرصة وظيفية بإحدى شركات ومُؤسسات القطاع الخاص، غير أنَّه بسبب الحد الأدنى المُحدد بـ600 ريال تضيع الفرصة، رغم أنَّ الكثيرين أبدوا موافقتهم على العمل براتب 500 ريال أو حتى 450 ريالاً، طالما أنه راتب لأول عمل، وهو بديل عن البقاء بلا عمل وبلا راتب وبلا خبرة في مجال العمل، في حين أنَّ النظام الإلكتروني لتسجيل المُعينين يرفض ذلك طالما أنَّ المتقدم للوظيفة يحمل مؤهلاً جامعيًا.

 

قصة واقعية

رملة السيابية تروي جانباً مؤثراً من ذلك الأمر، فتقول: "تخرجت عام 2014 في كلية عُمان البحرية تخصص إدارة لوجستيات، وظللت لمدة 6 سنوات أبحث عن وظيفة، ولم يكن لديَّ أي مشكلة بالنسبة للراتب، لكن المُشكلة كانت أنَّ عقد العمل لا تقبل وزارة القوى العاملة (سابقاً) تسجيله إذا كان أقل من 600 ريال، وكانت هذه هي المشكلة التي أواجهها في كل الشركات، لأنَّ الشركات كانت ترفض دفع 600 ريال لخريج جديد ليس لديه خبرة، بينما تُوافق على دفع راتب أقل لوافد يملك خبرة 10 سنوات مثلاً، وبالتالي ضاعت مني سنوات، كان يمكن أن اكتسب فيها خبرة جيِّدة بسبب هذا الشرط الذي لا أعرف ما إذا كان يُطبق وفقاً لقانون أو قرار وزاري، لكن كل مكاتب سند يقولون إن نظام تسجيل العقد لا يقبل لأنَّ الراتب أقل من 600 ريال".

وتُؤكد السيابية- في حديثها لـ"الرؤية"- أنَّ كثيراً من الخريجين يوافقون على رواتب أقل من 600 ريال في بداية حياتهم العملية ولو لمدة سنة يكتسبون خلالها الخبرة اللازمة، على أن يعتبروا أنفسهم مثلاً في تدريب على رأس العمل، خاصة وأنَّ أصحاب الأعمال سيُرحبون بذلك. وتلفت السيابية إلى أنَّ بعض الخريجين من حقهم أن يرفضوا التنازل عن الحد الأدنى الراغبين فيه، لكن فتح المجال ليكون العمل وفق مبدأ العرض والطلب، يمكن أن يُوفر وظائف لآلاف الخريجين الذين يقبلون برواتب يعرضها أصحاب العمل لكنها دون 600 ريال.

عقبة الحد الأدنى

أما منال البلوشية التي تخرجت عام 2018 في كلية مسقط وتحمل بكالوريوس في علم الحاسب الآلي، تقول إنِّها منذ التخرج تقدمت لنيل كل فرصة عمل وجدتها وأجرت المُقابلات اللازمة وتخطتها، لكن لم تحصل على عمل لأنَّ عقبة رئيسية كانت تقف أمامها؛ ألا وهي الحد الأدنى للراتب.

وتشرح منال البلوشية- في حديثها مع "الرؤية"- ببساطة السبب الجوهري في تزايد عدد الباحثين عن عمل من خريجي الجامعة، قائلة: "إذا نظرنا لسوق العمل نجد أنَّ عدد الشركات الكبيرة قليل وهذه الشركات هي التي يمكن أن تدفع رواتب عالية للموظفين في بداية العمل لأنَّ عدد العاملين لديها من أصحاب الخبرة يكون كبيرًا وبالتالي يمكن أن يسيروا العمل مع تدريب الموظف الجامعي الجديد، لكن في الشركات التي تُريد تشغيل موظف أو اثنين أو حتى 5 موظفين، فهل سيوظفون خريجًا حديثاً براتب 600 ريال أم يوظفون موظفاً لديه خبرة ينتقل من وظيفة في شركة أخرى إليهم أو وافد بخبرة ويقبل بأقل من 600 ريال؟".

وتضيف البلوشية أن تخفيض الحد الأدنى لرواتب الجامعيين أو على الأقل السماح بتسجيل عقود توظيف الجامعيين بالراتب المتفق عليه بين الباحث عن عمل وصاحب العمل يمكن أن يحل مشكلة عشرات الآلاف خاصة في ظل الظروف الحالية التي لا يُمكن لكثير من أصحاب القطاع الخاص دفع رواتب كاملة فما بالنا بتعيين جدد.

العرض والطلب

ولم يغب التحدي المُتمثل في الحد الأدنى لرواتب خريجي الجامعة عن أصحاب الأعمال وكان ومازال موضع بحث ودراسة لجنة تنمية الموارد البشرية وسوق العمل بغرفة تجارة وصناعة عُمان، ويقول محمد بن حسن العنسي رئيس اللجنة إن الظروف الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة تحتاج إلى الكثير من المرونة في مسألة توفير مناخ العرض والطلب في سوق العمل، مشيداً بالتطور الهائل المُتمثل في إنشاء "وزارة العمل"، وما يمثله من توجه لنهج يضع أولوية توفير فرص العمل للجميع مع تقوية دور القطاع الخاص في هذا المجال.

ويُشدد العنسي على تأكيد حق الخريجين في الحصول على رواتب تُحقق لهم الحياة التي يستحقونها بعد أن درسوا وتعبوا، لكن في نفس الوقت فإنِّه من الأهمية بمكان أن يكون هناك تقدير لمُعادلة عدد الفرص الوظيفية المتاحة في القطاع الخاص والمصاريف التشغيلية مقارنة مع عدد الخريجين، وحتى يتمكن القطاع الخاص من استيعاب المزيد من الأعداد من الجامعيين، لافتاً إلى أن هناك بالفعل استيعاب أكبر للمواطنين من حاملي شهادة الدبلوم أكثر من الجامعيين، لعدم وجود شرط الـ600 ريال.

ويضيف العنسي قائلاً إنَّ القطاع الخاص متفائل بأن تكون هناك خطوة نحو تطوير عقد العمل بحيث يبنى على فكرة توثيق حقوق متكافئة لطرفي العمل: الباحث عن عمل من جهة حقوقه وواجباته عند التعيين، وصاحب العمل أيضًا وما يُحقق له مصالح عمله وسير العمل بسلاسة. ويُؤكد العنسي أنَّ الفترة الماضية شابها بعض الغموض في بعض النقاط، خاصة مع الاضطرار لخفض نسب من الرواتب في بعض المؤسسات بسبب ظروف جائحة كورونا، ويرى أنَّه من المهم عودة النظرة الإيجابية لدور القطاع الخاص كمولد للفرص وجزء رئيسي في الاقتصاد، والنظرة الإيجابية للموظفين العمانيين بأنهم بالفعل قادرون على الوقوف جنباً إلى جنب كجزء رئيسي من العملية الإنتاجية لا يُمكن الاستغناء عنها.

ويدعو العنسي إلى أهمية أن يأخذ العقد في عين الاعتبار أساسيات تتضمن المرونة المطلوبة للتعامل مع الظروف الاقتصادية، فيمكن أن يتضمن شروطًا للراتب بحيث يتصاعد مع زيادة الخبرة، مشيرًا إلى أن أصحاب الأعمال يأملون أيضاً ضمانات بأن يتحقق الاستقرار في مؤسساتهم أو شركاتهم، خاصة مع أول تعيين للجامعيين؛ إذ ليس من الإنصاف أن يتحمل صاحب عمل أول عام أو عامين من الحياة العملية للخريج الجامعي بمرتب عالٍ ثم بمجرد اكتسابه الخبرة يترك العمل ويرحل عن الشركة. ويتابع: "نرفض أن يكون عقد العمل سببًا في الإجحاف بحقوق العامل، كما لابد أن يراعي العقد حقوق المؤسسة أو الشركة وأهمية الالتزام بشروط وقواعد العمل فيها وبأبسط قواعد الثواب والعقاب". ويلفت العنسي إلى أنَّ تطبيق قواعد الحوكمة في كل المجالات يتطلب أن تكون هناك تفاصيل واضحة لكل الحقوق والواجبات في عقود العمل.

لا قانون ولا قرار

ويرى المهندس سعيد بن ناصر الراشدي أنَّ المشكلة في قضية الحد الأدنى لراتب خريج الجامعة عند التوظيف أنه مجرد إلزام وليس مبنياً على قانون أو قرار من أي جهة، على عكس الحد الأدنى للرواتب لحملة الدبلوم مثلاً في القطاع الخاص وهو 325 ريالاً، لكن مع الوقت بات حد الـ600 ريال واقعا، ولا يمكن تسجيل عقد تعيين لجامعي براتب أقل من 600 ريال، مُعتبرا ذلك "أمرا غير مفهوم". ويضيف الراشدي: "لا نعرف السند القانوني لهذا الحد الأدنى، لكنه برغم كونه قرارا غير ذي صفة رسمية إلا أنَّه تحول إلى ما يشبه العُرف، ومع الوقت تسبب في تراكم أعداد الخريجين الجامعيين الباحثين عن عمل، فقد يشكل راتب الجامعي هاجسا لدى صاحب العمل خاصة في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وهي الغالبة في السوق".

ويلفت الراشدي إلى أنَّ مراجعة ذلك الحد الأدنى أمر بالغ الأهمية في ظل وزارة العمل الجديدة، خاصة وأن الاختصاصات التي كلفها بها المرسوم السلطاني يأتي على رأسها: "اقتراح السياسات والخطط المتعلقة بالتوظيف في القطاعين العام والخاص"، وهو ما يُمكن الوزارة من وضع هيكلة كاملة لسوق العمل تضمن تحقيق الشروط المطلوبة في نظام الاقتصاد الحر؛ ومن أهمها المنافسة والعرض والطلب، مع وضع كل ما من شأنه حماية حقوق المُواطنين من العاملين وأصحاب الأعمال سواء بسواء.

ويُؤكد محمد بن سالم البوسعيدي الخبير في إدارة الموارد البشرية، أنَّ التَّحدي الرئيسي في سوق العمل دائماً يتمثل في توفير الوظيفة الأولى للباحث عن عمل. وعمَّا تُبينه الأرقام عند تحليل نتائج مبادرة "توفير 25 ألف فرصة عمل"، فيقول البوسعيدي إن أكثر من 80% من الذين استفادوا من هذه الفرص سبق لهم العمل، بينما أقل من 20% كان التحاقهم بالعمل للمرة الأولى، والآن ومع تعريف الباحث عن عمل بأنَّه الذي لم يسبق له العمل نهائياً تظهر بوضوح الإشكالية؛ وهي تشغيل الخريجين وبصفة خاصة الجامعيين، وحصولهم على الوظيفة الأولى.

ويشرح البوسعيدي أنَّ أحد أبرز أسباب تزايد عدد الباحثين عن عمل بين الجامعيين عن غيرهم، أنهم لم يكتسبوا أي خبرة مهنية، وإضافة إلى ذلك فإنَّ تحديد 600 ريال يعد راتبا كبيرا بالنسبة للمردود الذي سيقدمه الخريج الجديد للمؤسسة أو الشركة على الأقل في الفترة الأولى وبالتالي فإنَّ أصحاب العمل- كما هو الحال في كل دول العالم- يفضلون تعيين أصحاب الخبرة لأنهم سيضمنون الإنتاجية من اليوم الأول للعمل، وليس بعد فترة تدريب قد تصل إلى سنة حتى يحصل على الإنتاجية المطلوبة من الوظيفة.

ويضع البوسعيدي مقترحاً يمكن أن يسهم في تسريع توظيف خريجي الجامعة في القطاع الخاص، بحيث توضع الأولوية لتوفير الوظيفة والحصول على الخبرة، ووضوح هذه الأولوية سيحدد المسار فيما بعد، لأنَّ توفير الفرصة الوظيفية يتطلب العلم بما يحتاجه موفر هذه الوظيفة الأولى، وتشمل المقترحات في المقام الأول أن يكون ما يدفعه صاحب العمل من راتب موازٍ لخبرة الموظف الجديد الذي أحياناً قد يحتاج للبدء من الصفر، وبالتالي فإنَّ ترك تحديد الراتب الأول للعرض والطلب سيكون معقولاً ومنطقيًا، خاصة وأنه مع الوقت سيزداد الراتب بديهياً مع الخبرة التي يكتسبها الموظف.

تعليق عبر الفيس بوك