حاتم الطائي يكتب:
◄ اللامركزية تساعد على تحقيق التنمية المتوازنة في المحافظات وتقديم خدمات عالية الجودة للمواطن
◄ الحرص السامي على منح المحافظين الصلاحيات اللازمة يؤكد نهج اللامركزية في العهد الجديد
◄ تعزيز الحوكمة والحد من المخاطر من ركائز اللامركزية وأفضل نتائجها
تَمْضِي مسيرة نهضتنا المتجدِّدة نحو ما خُطط ورُسم لها بعناية فائقة؛ بما يضمنُ تجاوز مُختلف التحديات، وتحقيق ما تصبُو إليه التطلعات، وفق الرُّؤية المستقبلية الواعدة "عُمان 2040"، والتي يمكن أن نطلق عليها مشروع الوطن في العهد الجديد، ونقطة الانطلاقة الحقيقية نحو عُمان أكثر تقدُّما وأكثر تنويعًا في الموارد الاقتصادية، وأيضًا -والأهم من ذلك كله- نحو عمان في مَصَاف الدول المتقدمة.
وبُلوغ مراتب التقدُّم بلا شك يلزمه تحقيق جُملة من الأهداف والرؤى، وأحد أبرز هذه الأهداف والرؤى تحقيق اللامركزية في اتخاذ القرارات، لا سيَّما القرارات المتعلِّقة بمشاريع التنمية واستدامتها، فضلا عن المشاريع الخدمية في كل محافظة وولاية، بل في كل قرية ونيابة. ولقد اتَّخذ حَضْرَة صَاحِب الجَلالَة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- خُطوات كبيرة على مِضمار تحقيق اللامركزية فيما يتعلَّق بالعمل التنموي والخدمي في وطننا الحبيب، وجُملة المراسيم السُّلطانية التي صدرت في حزمة واحدة ومتكاملة قبل أسابيع قليلة، تجسِّد هذه الخطوة؛ فقرارات دمج وزارات أو وحدات إدارية، وكذلك إلغاء هيئات أو مؤسسات، لم تهدف سوى لتوحيد جهات الاختصاص، ومن ثمَّ وضوح الصورة العامة لأي مشروع وخطة إستراتيجية، من خلال جهة اختصاص واحدة تقوم بهذه المهام. لكنَّ الأكثر تأثيرا وعُمقا في هذه المراسيم، أخص منها بالذكر المرسوم السلطاني رقم 101/2020، والقاضي بإصدار نظام المحافظات والشؤون البلدية، والمرسوم السلطاني رقم 102/2020 بتحديد اختصاصات وزارة الداخلية واعتماد هيكلها التنظيمي، فهذان المرسومان يُحدِّدان بوضوح مهام واختصاصات المحافظين والولاة، بل ويُعزِّزان صلاحياتهم بهدف ممارسة المهام والمسؤوليات المنوطة بهم على أكمل وجه.
ولقد تعزَّزت هذه اللامركزية بتأكيد جلالة السلطان المعظم -أيَّده الله- خلال اجتماع مجلس الوزراء يوم 26 أغسطس الماضي، على إعطاء المحافظات جل الاهتمام من أجل مواصلة جهود التطوير ودفع مسيرة التنمية إلى الأمام، إضافة إلى "منح المحافظين الصلاحيات اللازمة للاضطلاع بمسؤولياتهم بعيدا عن المركزية". وعلاوة على ما سبق، يمكن أن نضيف ذلك التصريح بالغ الأهمية الذي أدلى به معالي السيد حمود بن فيصل البوسعيدي وزير الداخلية، عندما شدد في حديثه مع المحافظين على أنْ يستمعوا لآراء ومقترحات المواطنين فيما يتعلق بالعمل التنموي. والاستماع لآراء المواطنين مع تطبيق اللامركزية في العمل البلدي والتنموي، من شأنه أنْ يفتح آفاقا جديدة لمسيرة نهضتنا، وأنْ تتسارع وتيرة العمل في المشاريع، كما لن نجد أي تداخل في الاختصاصات بين جهة وأخرى، بل تكاملا وحرصا على الإنجاز في أسرع وقت ووفق أعلى معايير الجودة.
ووفقا للمراسيم السلطانية الأخيرة، سيتعيَّن على كل محافظ ووالٍ أن يرفع تقريرا سنويا عن احتياجات المحافظة أو الولاية من المشاريع التنموية؛ من أجل النظر فيها وإقرارها -إذا أمكن- ومن ثمَّ إدراجها في خطط الدولة الخمسية وميزانياتها السنوية، بما يضمن تنفيذها على الوجه الأمثل.
وعندما نُمعن النظر في فوائد لامركزية العمل التنموي، سنجد حزمة من الإيجابيات والنتائج النافعة؛ أولها أنَّ العمل التنموي ينقسم إلى شقين؛ الأول: تخطيطي وفق السياسات العامة للدولة في مرحلة من المراحل، وهذا الشق تتولاه الجهات المختصة، وفي وضعنا الحالي نتحدث عن عدد من الوزارات؛ مثل: وزارة الداخلية، ووزارة الإسكان والتخطيط العمراني، ووزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه... وغيرها. في حين أنَّ الشق الآخر من العملية التنموية، يَرتكز على الجهود التنفيذية، وهنا تقع المسؤولية على المحافظين والولاة والبلديات؛ من خلال أجهزتها ومديرياتها المنفذة للمشاريع؛ سواء كانت بشراكة مع القطاع الخاص، أو بتنفيذ حكومي بالكامل.
ومَنْح المحافظين والولاة الصلاحيات اللازمة من أجل الاضطلاع بالمسؤوليات المناطة بهم، سيخدم أهداف تحقيق التنمية المتوازنة، وهي التنمية القائمة على الموازنة بين الاحتياجات المحلية لكل محافظة أو ولاية، وبين ما هو متاح من موارد أو ما تُظهره دراسات الجدوى من نتائج، فعندما تتدارس الحكومة مختلف المشاريع التي قدمها المحافظون والولاة، تتولد لديها رؤية واضحة ومتكاملة عن مستوى الحاجة لكل محافظة وولاية، ومن ثم تتخذ القرار الأنسب الذي يحقق التوازن في مسيرة التنمية، فلا نجد محافظة تضم أفضل الخدمات وأكثر المشاريع التنموية تقدما، وأخرى لم تصل إلى نصف ما لدى محافظة أخرى من المشاريع. كما أن تقارير المحافظين والولاة ستكون مستندة بصورة أساسية إلى تطلعات المواطنين ومرئياتهم، وبذلك نكون قد حققنا هدف إشراك المجتمع في التنمية المحلية، فبدلا من أن يُفاجأ المواطن -مثلا- بإنشاء السوق العام في منطقة غير مناسبة، يتم اختيار الموقع المناسب لهذا السوق من خلال تعرف المحافظ أو الوالي على مقترحات الأهالي، ومن ثم تضمنيها في المواقع المقترحة.
ومن فوائد اللامركزية كذلك: الحد من المخاطر وتعزيز الحوكمة؛ فتنفيذ مشروع ما على نطاق المحافظة أو الولاية، يختلف كليًّا عمَّا إذا جرى تنفيذه على مستوى السلطنة؛ من حيث حجم المخاطر، وآليات الحوكمة والإدارة الرشيدة للمشاريع، وتنمو هذه الفائدة إذا كان المشروع بشراكة مع القطاع الخاص، أو إسناده بالكامل للقطاع الخاص؛ مما يُساعد على تخفيف حدة مخاطر المشروع، ونضرب مثالا هنا بإنشاء محطة للكهرباء في ولاية ما؛ حيث إذا نُفذ المشروع من خلال إدارة لامركزية وبالشراكة مع القطاع الخاص، ستكون الفائدة أعم، مقارنة بتطبيقه من خلال إدارة مركزية في العاصمة مع غياب القطاع الخاص، أو الإتيان بقطاع خاص من خارج الولاية؛ مما يزيد من حدة المخاطر الاقتصادية للمشروع.
وتوزيع المهام والمسؤوليات على المحافظين بدلا من تكريسها في يد وزارة أو وزارتين، يساعد على تقوية منظومة الإدارة المحلية وتعزيز أدوراها، ومن ثم التدرج لاحقا في منحها المزيد من الصلاحيات؛ بما يرسخ أسس الممارسة الإدارية السليمة، ويعضد من مهام المسؤول وفريق عمله، بصلاحيات تسهم في الإنجاز دون تأخير أو انتظار موافقات من الحكومة المركزية.
نحن إذن أمام رؤية تنموية حكيمة تتجاوز مفهوم اللامركزية التقليدية، وتؤسِّس لمساهمات تشاركية بين المواطن والمسؤول؛ فمقترحات المواطن عندما تتلاقى مع خطط المسؤولين ورؤيتهم التطويرية ستُنتِج في نهاية المطاف مشاريع تنموية يستفيد منها الجميع على أرض الواقع، وليس فقط مشاريع على الورق تُنفذ بجودة أقل ولا يستفيد منها سوى فئة أو شريحة معينة من المجتمع. إنَّها رؤية ترفع من مستوى الجهود الإنمائية، وتعزز من قدرة الحكومة على تنفيذ المشروعات التنموية وفق آليات متوازنة ودقيقة، فضلا عن رفع كفاءة المشاريع وفائدتها الاقتصادية خاصة في في المحافظات الحدودية التي باتت الآن مقبلة على نهضة أكثر تأثيرا عن ذي قبل.
وختاما.. إنَّ الجهودَ المتواصلة لحكومة جلالة السلطان المفدَّى لدفع مسيرة التنمية إلى الأمام، تتماشى مع تطلعات المواطنين ورغباتهم في الإسهام بمختلف مجالات التنمية؛ بما يحقق الأهداف المنشودة وبلوغ الغايات الوطنية وبسط يد الخير والنماء على ربوع وطننا الحبيب.