الشرق الأوسط أو «الشر.. الأوسط».. ألف مقال ومقال (7)


د. مجدي العفيفي
(31)
يا أماه أتمي صلاتك ولا تبكي..
بل اضحكي وتأملي..
ألا تعلمين أنَّ إيطاليا تدعوني..
وأنا ذاهب إلى طرابلس فرحاً مسروراً ..
لأبذل دمي بسحق الأمة الملعونة..
ولأحارب الديانة الإسلامية التي تُجيز البنات الأبكار  للحاكم
سأقاتل بكل ما أملك لأمحو القرآن..
سأقاتل بكل ما أملك لأمحو القرآن..
سأقاتل بكل ما أملك لأمحو القرآن..
استدعيت في نهاية مقالي الثاني من هذه السلسلة «الشر... أوسطية/ الشرق أوسطية» الأسبوع الماضي هذه الكلمات من النشيد العسكري الفاشستي الذي كانت تهتف به جيوش إيطاليا تُندد بالقرآن وتهزأ بالإسلام وتتوعد أمته بالسحق والفناء وهي تمخر عباب البحر المُتوسط لاحتلال أراضي ليبيا أو طرابلس الغرب كما كانت تعرف يومها سنة 1911م.
وقد وصلتني رسائل شتى مشحونة بالغضب اللفظي والموضوعي، على تلك الحقبة الأوروبية التي يُسميها الغرب الحاقد بـ"الاستعمار" طبقاً للتوصيف الكاذب الذي سوقه مستشرقوهم المغرضون وقطعانهم الثقافية والإعلامية والدعائية «على الطريقة الهتلرية الألمانية»، ومن أعظم ما لفت انتباهي في هذه الرسائل أنَّ قاسمها المشترك كان في «استمرارية» هذه الدول في سياستها الاحتلالية ورفض أصحابها أجمعون لكلمة «الاستعمار».. الأمر الذي دعاني لإنارة ضوء على هذه الكلمة الكاذبة والمكذوبة، وويل للكاذبين الغربيين من صحوة شعوبنا الشرقية الجديدة، ومن إفاقة الأجيال الراهنة والقادمة على منظومة الغرب الاحتلالية والتي تتخذ أشكالاً مُتغيرة، وترتدي أقنعة مغلفة مفخخة بكلمات السلام والعدل والمساواة والحرية والإخاء و..و.. غير ذلك من الكلمات التي فقدت غشاء براءتها وقيمة دلالتها الحقيقية في تقدم الإنسانية.
(32)
 الاستعمار..  كيف تمَّ سك هذا المصطلح؟ وكيف صار من المُسلمات؟ وكيف انطلى علينا كل هذه العقود والقرون؟ وكيف تمَّ اغتصاب دول وحكومات وشعوب وحضارات ومصائر باسم هذه الكلمة القاتلة؟ ألف كيف.. وألف لماذا؟
(33)
استناداً إلى الأدبيات السياسية فإنَّ كلمة "استعمار" ترجمة عربيّة لكلمة (Colonialism) الإنجليزيّة، وقد أصبح معنى الاستعمار -نتيجة ابتلاء كثيرٍ من الدُّول الصّغيرة به- من المعاني المعروفة.
ومن خلال واقعه المعيش فإنّه يعني التّسلّط القهري -أي بالقوّة- من قِبَل دولة قويّة على أخرى ضعيفة، بغيةَ إخضاعها للنّفوذ السِّياسي، أو من أجل استغلال ثرواتها، وهو ما يُسمّى بالتّسلّط الاقتصادي أو الاستعمار الاقتصادي. وقد يكون الاستعمار عسكريّاً، وقد يكون حضاريّاً وثقافيّاً. وفي الغالب تنحصر مظاهرُه في التّسلُّط الاقتصادي والتّسلُّط الدِّيني. كما أنّه في الغالب يعمل على تغيير الهويّة الحضاريّة للدّولة المُستعمَرة، ويأتي هذا عن وسيلة الغزو الثّقافي.
في كثير من الدراسات يطلق "الاستعمار الجديد" مقابل الاستعمار القديم (وهو الغزو والاحتلال العسكري المُباشر، وقد انحسر بعد الحرب العالميّة الثانية، لتشهد الدول المستعمَرة شكلاً جديداً من الاستعمار) بأنّه التّسلّط غير المُباشر، أي أنّه مغلّف بغلاف الاستقلال الموهوم.
إذ جاء في (موسوعة المورد): «الاستعمار الجديد: ضربٌ مبطَّنٌ من الاستعمار يتمثّل في محاولة الدُّوَل الكبرى الاحتفاظ بسيطرتها العمليّة على المستعمرات السّابقة، وذلك عن طريق بسط نفوذها الاقتصادي أو العسكري أو الثّقافي عليها».
وفي (معجم المصطلحات السياسيّة والدوليّة): «الاستعمار الحديث: فرْضُ السّيطرة الأجنبيّة من سياسيّة واقتصاديّة على دولةٍ ما، مع الاعتراف باستقلالها وسيادتها دون الاعتماد في تحقيق ذلك على أساليب الاستعمار التقليديّة، وأهمّها الاحتلال العسكري، ويعتبَر نظام المحميّات والدُّول تحت الوصاية من أشكال الاستعمار الحديث. كما يُطلَق على هذا الأسلوب الاستعماري مصطلح (الإمبرياليّة الجديدة).
ويستخدم الاستعمارُ الحديث في تحقيق أغراضه وسائلَ خاصّة لتحاشي المعارضة الشعبيّة الصّريحة، أو معارضة الرأي العام العالمي. ومن ذلك عقدُ الاتّفاقيات الثنائية غير المتكافئة، وتكبيل الدُّول النّامية بشروط تحرمُها من حرية التّصرف، وإقامة القواعد العسكريّة، إلخ».
 (34)
هناك فرق كبير بين «الاستعمار» و«الاحتلال».. إذا لماذا دائماً نخلط بينهما ويقول البعض في هذا الشأن: هذا شيء تعودنا عليه.. لا يصح أبداً أن نطلق على المحتل الأجنبي لأراضي الغير «مستعمر» ونقول «الاستعمار» البريطاني بدلاً من قولنا «الاحتلال» البريطاني نعم كنَّا نقولها- في دولنا العربية- بالخطأ أيام الاحتلال البغيضة خوفاً من بطش المحتل البريطاني.. إذن لماذا نستمر في هذا حتى الآن، ثم نعيب على نظامنا التعليمي الحالي المعتمد على الحفظ والتسميع رغم أنَّ العيب فينا والغلط راكب مُثقفينا ومُفكرينا!  ألا يعلم وألم يحفظ مثقفونا ومفكرونا الآية «٦١» في سورة هود «وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إنَّ ربي قريب مجيب» بمعنى كي تعمروا الأرض وتحصدوا من زرعها وثمرها وتستغلوا معادنها وخيراتها الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، أنتم يا أهل هذا البلد الأمين وليس هم هؤلاء المحتلين القادمين من بعيد ببوارجهم ومدافعهم وقنابلهم.. وكم أتمنى أن تختفي إلى الأبد تلك الكلمة البغيضة لنعيش جميعاً في سلام وعدل على تلك الأرض الطيبة مستعمرين ومعمرين لها، ومتبادلين خيراتها بالحب والتراضي وليس بالقوة والغصب والاحتلال!! «د.جمال الشربيني ٢٨/ ٤/ ٢٠٠٩ المصري».
(35)
والحديث عن هذه الكلمة البغيضة يرادف دائماً حديثاً عن نهب وسلب لمعظم ثروات البلاد المحتلة، وتحطيم كرامة شعوبها وتدمير إرثها الحضاري وتراثها الثقافي، وفرض ثقافة الاحتلال على أنها الثقافة الحضارية الوحيدة القادرة على نقل البلاد المُحتلة من حالة التخلف والجهل إلى مرحلة الحضارة (!!) وذلك  «بإخضاع جماعة من الناس في دولة ما أو مجموعة من الدول لحكم أجنبي من دولة أخرى، ويلحظ تاريخيّا أنَّ معظم الدولة التي تم احتلالها يفصلها عن الدولة المحتلة بحار ومحيطات وسمات عرقيّة مختلفة عن المحتلين، ويحكمها سكان أرسلتهم الدولة المحتلة للعيش فيها وحكمها واستغلال ثرواتها الطبيعية والاقتصادية.! و«تاريخ الاحتلال الغربي للعالم، الذي بدأ مع بداية عصر النهضة في أوروبا، وصحوتها الدينية والسياسية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. ومنذ صحوتها وهي تتحرك للسيطرة على دول العالم الثالث وتاريخها، وخاصة دول العالم الإسلامي وتاريخ العالم الإسلامي، فانطلقت الحملات الاستكشافية تقطع البحار للبحث عن مطامعها الاستعمارية الدينية والسياسية والاقتصادية في بلاد أخرى» «سطور، 2019» (!!)
(36)
ملحوظة:  كل التحفظ التام على ذكر لفظة الاستعمار في هذه المراجع.
(37)
يتعرض الشرق الأوسط الآن إلى «جائحة» جديدة (بلغة الخطاب الكوروني).. وعودة الأطماع الاحتلالية القديمة بشكل حديث أشد خطرًا.
انظروا إلى لبنان والجيوش الفرنسية!!!
انظروا إلى ليبيا... والتربص الإيطالي
انظروا إلى الاختراق الصهيوني المُثير للسخرية السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية.. وغيرها!