سلام يا صاحبي.. سلام

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

(1)

حين أُعلن قيام "دولة إسرائيل" قبل أكثر من سبعين عاماً، ثار العرب، وهاجوا وماجوا، ورغوا، وأزبدوا، وأعلنوها حرباً شعواء على الكيان الجديد، وسخّروا "كل" إمكانياتهم "الإنشائية" لقتل اليهود، وإرجاع فلسطين المُغتصبة، ومرَّت السنوات والأعوام، كلما دخلوا حرباً، خسروا أرضاً جديدة، فتمدد الكائن الغريب حديث التكوين، وتقلّصت الأرض العربية بالمُقابل!!

(2)

طوال سنوات طويلة رفع القوميون العرب شعارات المُقاومة، والحصار، والمُقاطعة لإسرائيل، ونظّموا المُظاهرات، وأشعلوا المنابر بالخطب العصماء، وقاموا وقعدوا، ومن خلفهم إعلام مُضلّل، يُطبّل ويمجّد، وكلما عقدوا مُؤتمرا للقمة، زاد الشرخ العربي، وكبرت الخلافات، وخرجوا من "المولد" أكثر انقساماً وتشرذماً وخلافات.

(3)

ظلّت قصيدة "فلسطين داري ودرب انتصاري" تُغنّى في الإذاعات، وتُدرّس في الكتب المدرسية، وتُنشَد في طوابير الصباح، وفي نفس الوقت كان الفلسطينيون يُهجَّرون، ويُشرَّدون، ويُقتّلون، وقصائد المُقاومة تعلو وتهبط، وفلسطين تئن، وتتأوه تحت الاحتلال، بينما سوق المُزايدات والشعارات السياسية يُعقد كل حين، ولا يُغلق.

كان العرب يتيهون في خيال القصائد، والإسرائيليون يتوسّعون على أرض الواقع.

(4)

كان وراء المشروع الإسرائيلي آلة إعلامية ضخمة وجادة، وصوت مسموع عالمياً، استطاع أن يُسوّق لقضية "مظلومية الإسرائيليين"- كما يدعون- ويفضح كل رئيس حكومة فاسد، لأنَّ الوطن هو الهدف الأسمى، بينما ظل الإعلام العربي صوتا مكسورا، مضلّلا، مطبّلا للحكومات، ومروّجا للأوهام، فهو صوت للفساد، وليس للأوطان.

وأثبت الإعلام الإسرائيلي الهادئ ـ في هذه المعركة الوجودية ـ أنَّه أعلى صوتا من الإعلام العربي العالي.

(5)

جاءت اتفاقية "كامب ديفيد"، وتوالت الاتفاقيات المجانيّة مع إسرائيل، وبدأت قبضة العرب على القضية الفلسطينية بالتراخي شيئاً فشيئاً، ولم يجد الفلسطينيون بُدّا من الاستسلام للأمر الواقع، وتوقيع اتفاق سلام مع "الكيان الغاصب"، وبدأت الخلافات الفلسطينيةـ الفلسطينية تطفو على السطح، ولم تهدأ نارها إلى يومنا هذا، فصنعوا حكومتين، ورئاستين، وفكرين مُختلفين، وإسرائيل تستغل الوضع، وتتوسّع، وتبني المستوطنات، وتنكث العهود والمواثيق، ولسان حالها يقول: "إذا كان الفلسطينيون غير قادرين على حل خلافاتهم، فكيف سيحلّون قضيتهم"؟!

(5)

أثبتت إسرائيل للعالم كله، أنَّ لها مشروعاً سياسياً واضحاً تشتغل عليه، وتوظّف إمكانياتها، وطاقاتها البشرية والمادية للوصول إلى الهدف، بينما لم يوجد مشروع سياسي أو فكري واضح لدى العرب، فحين رفع "القوميون" شعار "سنلقي إسرائيل في البحر"، ورفعت إسرائيل ذات الشعار لتوضح للعالم مقدار الكراهية العربية لليهود والساميّة، فغرق العرب ونجت إسرائيل!!

 (6)

الآن.. كل الأمور أصبحت واضحة، ولا حياء في السياسة، ستخرج "الضبّان" من أوكارها، ولن تحتاج إلى دسّ رؤوسها في الرمال، فالقضية الفلسطينية لم تعد هي الأولوية، وإسرائيل دولة "حليفة" متفوقة تكنولوجياً، وعسكرياً، وسياسياً، وأيقن العرب أنَّ المصالح العُليا تسبق المصالح "الثانوية"، وأنَّ القرارات السيادية أمر يخص كل دولة على حدة، وأنه لا وجود لشعار مُخادع يسمى "الوطن العربي الكبير"، ولا واقعية لـ"بلاد العُربِ أوطاني" وعلى الفلسطينيين أن يحلّوا قضيتهم مع "عدوّهم اللدود"، أولًا وهو خلافاتهم البينية، قبل أن يحلّوا مُشكلتهم مع إسرائيل، وحتى يحين موعد التحرير "سننام في سلام".

و"سلام" يا صاحبي!!