بكين توسع مظلة "السلام التنموي" عبر طهران لتقويض النفوذ الأمريكي

تقارب صيني إيراني يُجهض "إستراتيجية الضغط الأقصى" ويعيد توزيع مراكز القوى بالمنطقة

 

ترجمة - رنا عبدالحكيم

رَصَد مقالٌ نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تفاصيلَ وثيقةً مُسرَّبة، تقول بأنَّ الصين وإيران تدخلان في شراكة إستراتيجية مدتها 25 عامًا في التجارة والسياسة والثقافة والأمن، وأعقبت الوثيقة بأنَّ ورغم أنَّ التعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط ليس جديدًا ولا حديثًا، إلا أنَّ ما يُميِّز هذا التطور عن الآخرين هو أن كلًّا من الصين وإيران لديهما طموحات عالمية وإقليمية، ولكل منهما علاقات مواجهة مع الولايات المتحدة، وهناك عنصر أمني في الاتفاقية.

الوثيقة التي تطرَّق إليها مقال علم صالح المحاضر في الدراسات الإيرانية بمركز الدراسات العربية والإسلامية بالجامعة الوطنية الأسترالية، وذكية يزدان شيناس الزميلة الباحثة في مركز الدراسات الإستراتيجية للشرق الأوسط، تفيد بأنَّ العنصر الأمني في الاتفاقية يتعلق بالولايات المتحدة، لا سيما بعدما شكل نفوذ الصين المتزايد في شرق آسيا وإفريقيا تحدٍياً للمصالح الأمريكية، مشيرة إلى أنَّ "الشرق الأوسط هو ساحة المعركة التالية التي يمكن لبكين أن تتحدى فيها الهيمنة الأمريكية، ولكن هذه المرة من خلال إيران".

ولفت كاتبا المقال إلى أنَّ آثار الاتفاقية تتجاوز المجال الاقتصادي والعلاقات الثنائية؛ "فهي تعمل على المستوى الداخلي والإقليمي والعالمي"؛ فداخليًا، يُمكن أن تكون الاتفاقية شريان حياة اقتصاديًا لإيران، ينقذ اقتصادها المتضرر من العقوبات وما يمرُّ به من ضائقة مالية، وذلك من خلال ضمان بيع النفط والغاز إلى الصين، فضلا عن أنَّ إيران ستكون قادرة على استخدام علاقاتها الإستراتيجية مع الصين كورقة مساومة في أي مفاوضات مستقبلية محتملة مع الغرب؛ عبر الاستفادة من قدرتها على توسيع بصمة الصين في الخليج العربي.

توقيت الكشف عن الوثيقة قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية بحوالي 3 أشهر، يُعرض إمكانية فوز الجمهوريين للخطر؛ على اعتبار أنَّ هذه الشراكة تُثبت أن إستراتيجية الضغط الأقصى لإدارة ترامب كانت فاشلة؛ فهي لم تفشل فقط في كبح جماح إيران وتغيير سلوكها الإقليمي، لكنها دفعت طهران إلى أحضان بكين، بحسب ما أوردت "فورين بوليسي".

أما على المدى الطويل، فيشير التقارب الإستراتيجي بين إيران والصين إلى أنَّ طهران تقوم بتكييف ما يسمى بسياسة "انظر إلى الشرق"؛ من أجل تعزيز قوتها الإقليمية والعسكرية، وتحدي وتقويض القوة الأمريكية في المنطقة. ومن جهة أخرى، فإن الاتفاقية تساعد الصين على ضمان أمن طاقتها؛ عبر تأمين حرية الملاحة عبر منطقة الخليج العربي.

فمنذ تولى شي جين بينج السلطة في الصين عام 2012، والحكومة الصينية لا تألو جهدًا في التعبير عن رغبتها القوية في جعل الصين قوة عالمية، بلعب دور أكثر نشاطًا في مناطق أخرى. وقد تجلى هذا الطموح في تقديم مبادرة الحزام والطريق (BRI)، والتي سلطت الضوء على الأهمية الإستراتيجية للشرق الأوسط. فعلى عكس الولايات المتحدة، تبنت الصين نهجًا غير سياسي موجَّها نحو التنمية في المنطقة، مستخدمة قوة إيران الإقليمية لتوسيع العلاقات الاقتصادية مع الدول المجاورة، وإرساء الأمن في المنطقة؛ من خلال ما تسميه السلام التنموي بدلاً من المفهوم الغربي للسلام الديمقراطي.

ولم تستبعد المجلة كذلك تأثير الشراكة الإستراتيجية الصينية-الإيرانية على المناطق المجاورة، بما في ذلك جنوب آسيا؛ وفي غضون ذلك، وبالإضافة إلى ضمان بقائها، ستستغل طهران العلاقات مع بكين لتعزيز موقعها الإقليمي.

واختتم الكاتبان مقالهما بالتأكيد على أنه "بينما كانت الولايات المتحدة تستفيد من التنافس والانقسام في المنطقة، فإنَّ الشراكة الصينية-الإيرانية يُمكنها في النهاية إعادة تشكيل المشهد الأمني ​​في المنطقة من خلال تعزيز الاستقرار عبر النهج الصيني للسلام التنموي".

تعليق عبر الفيس بوك