الفساد حول العالم.. أوروبا الأفضل دائما!

 

 

سلطان بن سليمان العبري

Sultan12444@gmail.com

يُتداول كثيراً من العرب على وجه الخصوص صُور وفيديوهات وأفعال لكبار مشاهير السياسة حول العالم، وهم يقومون بأعمال تُظهر مدى تواضعهم وبساطتهم، ورئيس وزراء كندا جاستن ترودو خير مثال على التواضع، كيف لا وقد انتشرت صور له وهو ينظف مدخل مطار، وكذا الأمر بالنسبة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي لا تذهب لعملها قبل أن تُعد الفطور لزوجها، وعدم ارتدائها الملابس ليس الفاخرة -كما تفعل المطربة الإماراتية أحلام كل ساعة- بل الملابس العادية، حتى جعلوا منها حديث العالم العربي، على الأقل.

لكن: هل يُعد كل هذا كافيًا للقول بأن كندا وألمانيا على سبيل المثال لا الحصر مثالٌ للنزاهة، وخاليتان من الفساد؟!

يُواجه "ترودو" ثالث تحقيق يتعلَّق بتضارب المصالح، بعد أن بدأ مفوض الأخلاقيات بكندا تحقيقاً في عقد منحته الحكومة لمؤسسة خيرية لها صلة بأسرة ترودو. فهل خَرْق القوانين التي تحظر على الساسة صُنع أو المشاركة في قرارات تعزز مصالحهم الشخصية وذلك باختيار مؤسسة "وي" الخيرية الكندية لإدارة برنامج منح طلابية، ليس فسادًا؟

هذا ليس مهما، ولا مهم أيضا أن تعرفوا مدى النقد الكبير الذي تواجهه ميركل التي نراها كعرب مثالا في التواضع، حيث تتسوق بنفسها ويمكن أن توجه لها الحكومة الالمانية مخالفات بشأن تذكرة سفر، كما حدث حين اشترت بطاقتين لتشجيع منتخب "المانشافت" في كأس العالم بجنوب إفريقيا، واتضح لاحقا أن الأولى التي صرفتها الدولة قد أضاعها سائق سيارتها، فاضطرت لشراء ثانية من حسابها الخاص!!

إذن، هل هناك مقياس غير الذي يُبهجنا كعرب، أو لنقل بصورة أخرى، نرى فيه كعرب ما لا نراه في رؤسائنا وحكوماتنا؟

والجواب نعم؛ فهناك مؤشـر مُدركات الفسـاد الذي يصنف 180 دولة ومنطقة وفقاً لمستويات الفساد المدركة في القطاع العام -وليس في قصور السياسيين أو حتى بيوتهم ولو كانت مستأجرة- طبقا لما يرشح إليهم من معلومات أدلى بها  خبراء ورجال الأعمال.

وقد أظهر مؤشر العام 2019 أن أفضل الدول نزاهة "نيوزيلندا والدنمارك"؛ حيث سجلت كل منهما 87 درجة، تلتهما فنلندا 86، وسنغافورة 85، والسويد 85، وسويسرا 85، كذلك بيَّن المؤشر البلدان الأدنى في النزاهة لتأتي كل من الصومال وجنوب السودان وسوريا؛ حيث أسندت لها درجات 9 و12 و13 على التوالي، وتليها كل من اليمن 15، وفنزويلا 16، والسودان 16، وغينيا الاستوائية 16.

وبيَّن المؤشر خلال الأعوام الثمانية الماضية أنه قد تحسنت 22 دولة في مؤشر مدركات الفساد بشكل ملحوظ ولافت؛ هي غيانا وإستونيا واليونان، بينما انخفضت 22 دولة بشكل حاد؛ ومن ضمنها: أستراليا ونيكاراغوا وكندا، أما بقية بلدان العالم فظهر المؤشر مدركات الفساد القليل من التغيير أو انعدامه.

وكان منطقيًّا ولا يزال أن تتصدر أوروبا الغربية ودول الاتحاد الأوروبي بقية المناطق هذا العام بمعدل 66/100، بينما سجلت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء أدنى معدل بنحو 32 نقطة.

وخلص المؤشر إلى أن العلاقة بين السياسة والمال والفساد علاقة متداخلة ووطيدة، ولفت إلى أنه من الضروري إبعاد الأموال الطائلة عن السياسة للضمان بأنَّ عملية اتخاذ القرار السياسي تخدم المصلحة العامة، وتكبح فرص الصفقات السياسية الفاسدة. واتضح أن الدول التي قامت بأداء جيد في مؤشر مدركات الفساد، تقدمت؛ كونها تقوم بمشورة واسعة النطاق في اتخاذ القرارات السياسية كما يشير التقرير.

ويسلط المؤشر بشكل ملموس على هبوط كندا أربع نقاط للعام الماضي، وكذلك تراجعت سبع نقاط منذ 2012م عمَّا كانت عليه سابقاً، ليأتي الانخفاض مع تطبيق قوانين مكافحة الفساد في القضية الأخيرة ضد شركة البناء الكندية SNC-Lavalin والتي يقال إنها دفعت رشاوى لمسؤولين ليبين بمقدار 48 مليون دولار، وأما اللافت لنظر فهو قفز دولة أنغولا سبع نقاط في مؤشر مدركات الفساد لهذا العام بعد أن استعادت الحكومة 5 مليارات دولار من الأصول المنهوبة، إلا أنه يتطلب العمل بجهد أكبر وبتطبيق قوانين أكثر جدية وذات صرامة عالية لتحقيق النزاهة والشفافية في محاسبة عوائد النفط.

وبينما يُظهر مؤشر مدركات الفساد الدول الأعلى درجة؛ مثل: الدنمارك وسويسرا، على أنها من بين الأنظف في العالم، إلا أنَّ جذور الفساد موجودة ومتأصلة تختلف من لبلد لآخر، خاصةً في قضايا فساد القطاع الخاص وغسيل الأموال... وغيرها.

الخلاصة: الأهم من نتائج المؤشر، ما سقناه في البداية، حيث يشكل عامة الشعب العربي تصوراتهم على ما يتلقونه من الفيسبوك غالبا من صور، لا علاقة لها بالأرقام ولا بالمؤشرات وغيرها، إنما هي انطباعات تظهر مدى الجهل في تتبع مصدر المعلومات، على أن اللافت الأكبر أنه لو كانت هذه المؤشرات قد أقيمت في عصر "صدر الإسلام" والصحابة -رضي الله عنهم- لكان الوطن العربي أو الإسلامي حاز على المرتبة الأولى، ذلك أن عهد الصحابة كان عهدا لن يتكرر في التاريخ الإنساني، والسبب اتباع القرآن والسنة وتطبيقها بحذافيرها، والعمل للآخرة وليس للدنيا، وهذا ما ينقص الدول والحكومات التي تتبع القوانين الوضعية الأرضية وليست قوانين السماء؛ حيث يراقب الفرد نفسه طبقا لمعايير السماء وليس الأرض، التي تتراوح فيها مؤشرات الفساد التي أكد عليها القرآن الكريم بالقول: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (الروم:41).

ومن هذه الآية، يتضح أنَّ الفساد هو من سيحكم الكرة الأرضية، وأنه سيتفاوت بين بلد وآخر؛ لسبب بسيط يتلخص في أننا بشر ولسنا ملائكة حتى لا نقترف الأخطاء.

تعليق عبر الفيس بوك