إدارة الأزمة

أحمد بن سليمان العبري

يعزو البعض تأخر احتواء جائحة كرونا على المستوى المحلي إلى أسلوب إدارة الأزمة، وأرى أنَّ ذلك إجحاف لا يليق بالحرص الشديد الذي تعاملت به الجهات المختصة مع هذه الأزمة منذ بدايتها، دون إنكار لوجود أوجه ضعف في بعض جوانب التعامل مع الأزمة.

وتعتبر الأزمة – بشكل عام - حالة توتر ونقطة تحول تتطلب قراراً ينتج عنه مواقف جديدة – سلبية كانت أم إيجابية – تؤثر على مختلف الكيانات ذات العلاقة، وقد عرفها إدريس محمد في كتابه "الكوارث ما هي؟ "بأنها" أي حدث يُؤدي إلى مشكلة أو خلل أو ضرر في بيئة الإنسان بقدر يفوق مقدرة المجتمع على التجاوب الطبيعي معه"، أما إدارة الأزمة فهي كيفية التغلب على الأزمة بالأساليب العلمية والإدارية المختلفة ومحاولة تجنب سلبياتها والاستفادة من إيجابياتها، بالإضافة إلى توجيه جميع الطاقات للخروج منها.

ويستوجب لمواجهة الأزمة وتقليل آثارها الخروج من الأنماط المألوفة، والعمل خارج الإطار التنظيمي لصالح الإدارة الناجحة للأزمة، وهذا بالفعل تجلى من خلال تشكيل لجنة استثنائية تقوم بدورها دون قيود، ولكن في ظل شراكة مع جميع الجهات ذات الصلة.

إنَّ الصعوبة في التعامل مع الأزمة لا يكمن في القرارات التي تم اتخاذها، بل في التحديات التي واجهت وتواجه اتخاذ تلك القرارات بسبب ضيق الوقت لاتخاذها، ونقص المعلومات عن طبيعة المرض وكيفية انتشاره وقوته، وتغير تلك المعلومات باستمرار بسبب تقدم الدراسات الطبية حول المرض، ويأتي ذلك في ظل تطور مرحلة الانتشار وزيادة أعداد المصابين.

حيث تقوم الجهات المعنية بمعالجة الأوضاع على أساس المعلومات المتوفرة لديها عند إصدار القرار، ولكن عندما لا تتطابق هذه المعلومات مع الواقع، وجب عليها بسرعة بالغة وفي ظل أحداث متلاصقة سريعة أن تقوم بإعادة صياغة مجرى الأحداث، وهذا ما لاحظناه من تتابع القرارات. وقد استحوذت الأزمة على اهتمام العديد من الجهات والمؤسسات والأفراد في ظل تشابك العناصر وتعارضها، فالرؤية الصحية لاحتواء المرض قد لا تلقى قبولاً لدى الاقتصاديين لما لها من تأثير.

ومن الإيجابيات التي اتبعتها اللجنة هي التغطية الإعلامية التي ساهمت في كشف الغموض ومنع نشر الشائعات، حيث إنَّ لإتاحة المعلومة ومعرفة الموقف الحالي للأزمة أثر في استشعار المسؤولية من قبل الجميع، فتم عقد ثلاثة عشر مؤتمراً صحفياً للجنة، وإصدار بيان يومي مفصل عن الحالات، علاوة على ظهور مسؤولي وزارة الصحة في مناسبات تلفزيونية عدة.

ومن حيث البعد الاقتصادي والذي بلا شك له أثر في مجريات الأمور، فإنَّ الأزمات أثرها الأول يكون على الحركة الاقتصادية، وكما يقال فإنَّ رأس المال جبان فهو المتأثر الأول، فتعطل القوة المنتجة يسبب الكساد والركود أو انخفاض الأسعار وعدم القدرة على التصريف وتبدأ بعدها المنشآت الاقتصادية بالانحدار.

أما وزارة الصحة فقد أظهرت استعداداً استثنائياً لمُواجهة هذه الأزمة، فقد قامت بتجهيز جميع أطقم الوزارة لتقديم درجات عالية من طاقتهم وإمكانياتهم لمواجهة الظروف الجديدة المترتبة على التغييرات الفجائية والمتسارعة والتعامل معها بالحلول التي تحد منها حتى لو كانت تتم بطريقة مرتجلة نتيجة التحليل السريع لعناصر الأزمة.

 ومع خالص الشكر لتلك الجهود إلا أنَّ هناك بطءًا ظاهراً في إجراء الفحوصات، وهذا التأخير يساهم في زيادة انتشار المرض لتأخر تنبيه المخالطين لحين تأكيد الإصابة، حتى وإن تم التنبيه عند إجراء الفحص فلا سبيل للمخالطين إلى الحجر لتعارض ذلك مع الأنظمة الوظيفية، والتعلل بنقص المعدات ليس مبرراً بعد مضي أكثر من ستة أشهر من بداية الأزمة.

وفي الختام، كل الشكر والتقدير للجنة على إدارة الأزمة باقتدار من خلال تحليل الأزمة منذ البداية، والتخطيط المتكامل للتعامل مع الأزمة من خلال وضع الخطط والإجراءات لمواجهة الأزمة وترتيب أسبقياتها وإعادة هيكلة الطاقات، واتخاذ الدرجة القصوى من الاحتياطات، مع مراعاة عدة جوانب ليس من السهل المواءمة بينها، ومنها ضمان الإعاشة والخدمات التموينية للمجتمع وتجنب ركود اقتصادي في وقت تسعى فيه إلى تقليل الحركة.

و"ربُ ضارة نافعة"، وذلك أنَّ الأزمات تحفز عناصر التحدي وتستنهض الهمم وتذكي روح الإرادة القوية، فتتحول تلك الأزمة إلى دروس مستفادة وخبرات متراكمة تستفيد منها الأمة في مستقبلها.