حمد بن سالم العلوي
لقد عربد الطُغاة والبُغاة في طول الأرض العربية وعرضها، ودمروا بالمال العربي والدم العربي كل شيء استطاعوا تدميره، وقد بلغت نشوتهم وغرورهم مبلغ الكفر والزندقة والإلحاد، فإنّ هم ظنوا أنهم قد سيطروا على كل شيء، فإنَّ الحقيقة تقول أنهم قدموا خدمة جليلة للأمة العربية، بأن صارت الأمة بين فسطاطين واضحين، فهناك فسطاط للوطنيين الخيِّرين الأسوياء الأنقياء الأحرار، وفسطاط آخر للخونة الفجَّار.
وقد ظهر جلياً للأمة هذا الانفصال، بعدما أظهر هذا الآخر بيعته للشيطان بلا ورع أو خجل، فباعوا أوطانهم وأهلهم وعرضهم بالمال، وعزلوا أنفسهم عن الناس الأنقياء الأوفياء، وكان ذلك مفيداً للأمة حتى تعرف نفسها ومن تكون؟! فأن يعزل الفاسدون أنفسهم من تلقائهم، ويعلنون خيانتهم ضحىً وعلى مرأى من الجميع، فقد سهل على الحر معرفة عدوه، وقد دُفع المال الكثير لفصل خونة العراق وسوريا، ودفع القليل لخونة اليمن على سبيل المثال، لأن أعينهم لم تفتح بعد على المال الكثير، والغريب في هذا الزمان، أنَّ البائع والمشتري هو المال والإنسان العربي بصورة مباشرة، ولكن في الماضي كان الدَّفع للمخابرات الغربية، وهي تتصرف بالبيع والشراء!!
لقد بلغ الغرور بالطغاة مبلغه، عندما قرروا دخول حروب إقليمية مباشرة، فقد غرَّهم في الأمر النجاحات التي حققوها في البلاد العربية أيام "الخريف العبري" عام 2011 وسرعة تساقط الأنظمة العربية المهترئة بالفساد، فكان تقديرهم لليمن أنه بمجرد خيانة بعض الزعماء من الساسة وشيوخ القبائل، فإن السيطرة على الشعب الفقير ستكون أسهل، وأقل كلفة من الخونة العرب المتخمون بالمال سلفاً، ولكن ما علموا أن الناس الأكثر فقراً، هم الأقرب إلى الله من الأغنياء المترفين، وبذلك قد أخطأوا في تقدير الموقف، الأمر الذي ترتب عليه حرب طويلة تجاوزت الخمس سنوات إلى الآن، وقد نشأ عن ذلك صمود أسطوري لم يشهد له مثيل في عصر البترودولار، إنه صمود الشعب اليمني الأصيل، وليس ذلك فحسب، وإنما أخذ يتلمس طريق النصر باعتماده على الذات، فبدأ يصنع الأسلحة الرادعة من الصواريخ والمسيرات دون طيار، وأصبح يضرب في عمق أعدائه ويوجع الضربة، برغم وجود الفارق الكبير في القوة من حيث السلاح والمال، فهو لا يملك الطيران والدبابات والسفن الحربية، وكذلك الدعم الدولي الذي تميل كفته إلى المال لا إلى الحق والعدل، إلا أن اليمن عوَّض عن ذلك، بفارق الشجاعة والإقدام، وخاصية المقاتل الوطني المدافع عن أرضه وعرضه وكرامته.
لقد أصبحت الخارطة العربية مشتعلة فتنا وحروبا وتخريبا، وذلك من شمال أفريقيا غرباً إلى أرض اليمن شرقاً، فالغرب وإسرائيل يرسمون الخطط وعبيدهم من العرب ينفذون، ويطلبون المسامحة بدفع المال، إن هم قصروا في شيء أثناء التنفيذ، ويسرعون في تدمير الأمة لإنجاح "صفعة ترامب" قبل مغادرة البيت الأبيض أو الأسود بأفعاله، فإن لم يفعلوا فسوف يحرمهم من دخول الجنة معه، هو وسيّدهم جميعاً نتنياهو، وهم اليوم يريدون أن يكفِّروا عن الفشل الذريع الذي أصابهم في سوريا والعراق، بتدمير اليمن، وإعادة استعماره من جديد تحت الرايات العربية الضالة عن طريق القدس، وحرب اليمن التي تسير في عامها السادس، ما كانت لتطول إلى هذا الوقت لو لا كثرة الخونة والمتذبذبين، ولكن تحرير اليمن سيكون أسرع من تحرير فلسطين، لأنَّ خاصية الإنسان اليمني تختلف عن جميع العرب، كونها لم تنغمس نفوسهم في وباء الترف والرفاهية بعد، ومن كان منهم كذلك فقد تم شراؤه وأصبح مقيماً في الفنادق عند أعدائه، ويحارب معهم من خلال تويتر، وفضائيات العهر والكذب.
إنَّ القارئ للقرآن الكريم بتدبر وفهم، سيجد وصفاً جلياً صائباً للطغاة الجدد من فراعنة هذا العصر، في قوله تعالى:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}الإسراء]16[ وهذا أمر واقع اليوم عندما تبلغ قيمة ديك 250 ألف درهم، وتجد في اليمن الشعب العربي المسلم، يموت من الجوع والأمراض، والحصار الظالم، أو عندما تطوق أعناق الخرفان بالذهب، وهناك من الشعب من يبيع كلاه حتى يُطعم أولاده، وعندما يُؤتى بالأصنام وتقام لها المعابد، وتنصب في الشوارع ولا يعترض معترض على ذلك إلا وزج به في السجون، فقد قال الله تعالى عنهم: {قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً} مريم [75] صدق الله العظيم.
وعندما يهنئ أحد علماء المسلمين ويشيد بعودة بيت من بيوت الله إلى كنف الإسلام، وقد منع من أن يذكر اسم الله فيه 86 عاماً ظلماً وعدواً، فتجد زنادقة الطغاة يتطاولون بالسب والشتم على هذا المؤمن بالله، فيقال فيه ما لا يرضي الله من القول الفاحش، ولكن لا يُغيظهم تعطيل خمسمائة مسجد في فلسطين، والاستحواذ عليها من قبل اليهود، وتحويلها إلى معابد ومراقص، وبارات ومطاعم، فلا تثور حميتهم عليها، بل تخلُّوا مؤخرا عن المسجد الأقصى ومسرى سيّد الثقلين وثالث الحرمين وأولى القبلتين، أليست هذه هي الدياثة الفكرية عينها وكفر معلن؟!
إنَّ الأوائل لم يبقوا للآواخر شيئاً لم يدعِّموه بحكمة أو مثل مناسب، فقالوا: "ابن الحرام لا ينام ولا يخليِّ صاحبه ينام" فليس حتماً أن يأتي ابن الحرام ويقول؛ عن نفسه ذلك، وقد يكون لا يعرف حقيقة نفسه، ولكن أفعاله تُنبئ عن كينونته، وهذا يكفي وذو اللب يفهم بفطنته.
فلقد لجأ إلى عُمان أحد الأقزام مرتين يطلب شفاعتها حتى يعود إلى بلده، وهاتان المرتان قد علم بهما الناس، وقد يكون قد هرب أكثر من ذلك خوفاً من بطش أهله به لسوء خلقه، وقد يقول قائل لو عرفت عُمان بخبثه لمَا فعلت، فأقول لهذا القائل المفترض، إن عُمان عندما تفعل شيئاً تقيسه على مقامها وحدها، وليس على مقام الآخرين، فلا أسف ولا ندم في ذلك، فقد عَلِمنا من قبل ببُغض حكام عدن لنا أيام المدّ الشيوعي، وعندما اضطرتهم الظروف للهرب لاحقاً، أتوا إلى عُمان مطمئنين غير خائفين من شيء، وآوتهم عُمان وأكرمتهم، وهياكل مروحياتهم التي أكلها الصدأ على سواحل ضلكوت شاهدة على ذلك، وعُمان لا تحيد عن نهجها القويم، وهذا هو نهجها الثابت، والكبار دوماً مقامهم مصوغ بالثبات والرسوخ، والأزمة الأخيرة لليمن أظهرت لكل اليمانيين على مختلف اتجاهاتهم وتحزِّباتهم، أن عُمان الحضن الدافئ لهم جميعاً دون تمييز، وبدون شروط مسبقة، إلا شرط واحد ألا وهو إحترام القوانين والأنظمة المحلية.. وكفى، ولم يطلب منهم المحاربة معهم على تويتر، ولا شتم الآخرين على الفضائيات.
إن التاريخ ليؤكد حقيقة جازمة واحدة، أن الطغيان والطغاة إلى زوال، ومهما تفرعن الإنسان وبدأ في منازعة الخالق في حكمه، فهو زائل لا محالة، وأننا موقنون بأنَّ الله له مقاليد الأمور في الأرض والسماء، ومن يحارب الله ورسوله ويفسد في الأرض لا شك مهزوم في الدنيا والآخرة، ومهما مُدَّ له في الحياة مداً، ليس إلا ليثقل على نفسه، ويبتعد عن رحمة ربه.
اللَّهُمَّ أحفظ عُمان وشعبها الأبيِّ وسلطانها الفذ الحكيم من طغيان الطغاة المبغضين، وأحفظ الأمتين العربية والإسلامية من شرور الأشرار وكيد الفجار يا عظيم يا جبار "اللَّهُمَّ أنعم علينا بالفرحة والسرور في عيد الأضحى هذا، وعلى كافة المسلمين، وكل عام والجميع بخير".