مدرين المكتومية
طيلة 5 أشهر ماضية، ظللتُ أطارد فيروس كورونا وألاحق أخباره لنشرها، وأكتب عنه لتوعية الناس بمخاطره؛ لذا ربما توعَّدني وأخذ هو يلاحقني راكضًا ورائي، فقرر زيارتي وإصابتي.. 15 يوما وليلة، استجمعتُ فيها قواي وكافحت فيها بكل ما أستطيع لكي أصارع ذلك الفيروس الخفي، وأطرده خارج جسدي، بعد أن احتله لأيام، وأصابني بـ"كوفيد 19".
لم أتوقع وأنا التي لم يكن لها حديث سوى عن كورونا، وكان حرفيًّا شغلي الشاغل، باعتباره محور عملي في جريدة "الرؤية"، وقضيتي الأولى، بل قضية العالم الأولى، غير أنَّه باغتني على حين غرة مني، وانطلق في ثنايا حلقي، لينتقل بعدها إلى رِئتاي، وتبدأ الأعراض. استبعدتُ في بداية الأمر أن يكون ما أشعر به من إرهاق أو سعال يزيد وينقص، هو ذلك المرض اللعين، أنا الحريصة على اتباع كافة الاحترازات والتقيد بها، والدعوة لها، لكن الفحص جاء بالخبر اليقين، وأصبحت رقما في العدد اليومي لإصابات كورونا بالسلطنة الذي كنت أرصده يوميا، حقا "الأيام دُوَل"!
أصابني في البداية صداع، تلاه شعور بإعياء وخمول، حتى بدأت أشعر بنوبة من السعال متتالية لم تتوقف، حينها أدركتُ أن الأمر ليس طبيعيًّا، وأنني لا بد أن أخضع لفحص "كوفيد 19". والغريب في الأمر أن الأعراض تختلف من شخص لآخر؛ فقد كنت أشعر وكأن حملا ثقيلا جاثم على صدري، وهو ما دفعني في البداية لاستبعاد إصابتي بـ"كورونا"، إذ إنني أعاني منذ الصغر من حساسية الصدر، وفي موسم الإنفلونزا يُرهقني السعال، لكن الأمر مع كورونا، ومع تطور الحالة كان صعبا للغاية. كنت أشعر بوجع متكامل في قفصي الصدري وفي ظهري، ألم من نوع مختلف لم أعتده من قبل.. لم يكن الأمر سهلا أو هينًا، خاصة وأنه لا أحد يساعدني، وضعت نفسي في عُزلة تامة، حتى عن أقرب أقربائي، فأمي منعتها عن زيارتي، وأخواتي طلبت منهن مغادرة المنزل، وبدأت أخدم نفسي في كل شيء.
في كثير من الأحيان لم أكن أستطيع الوقوف على قدماي حتى لخمس دقائق متتالية، عندما أُحضِر طعامي أو شرابي، بجانب تردِّي الحالة النفسية وضعف المعنويات، يوما تلو الآخر، وما زاد من معاناتي الوحدة التي عشتها، فكنت الطبيبة والممرضة لنفسي.
وما إن شعرت ببدء جلاء المحتل عن جسدي، حتى بدأت أفكر في الضحايا الآخرين مثلي، وكيف يعيشون؟ وكيف يسيطر القلق عليهم، مرة على أنفسهم، وعشرات المرات على ذويهم؟
وتزامن آخر يوم لي في الحجر الصحي مع إعلان اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، إجراءات الإغلاق التام للمحافظات، وقرار ما يُشبه حظر التجوال الليلي؛ الأمر الذي رفع من معنوياتي، وأطلق في صدري دفعة قوية من الأكسجين؛ إذ اطمأننت بأن الفيروس لن يصول ويجول كيفما شاء في الأسابيع القليلة المقبلة، التي ستكون بإذن الله تعالى فترة القضاء عليه وطرده من عُمان بأسرها.
أحمدُ الله على ما رزقني من نعمة الصحة والعافية، فكم هي غالية وثمنية لا تقدر بكنوز الدنيا، وكم هي عظيمة نعمة الحياة التي منحنا الله إياها، لكن البعض منا لا يقدرها، فلله الحمد في الأولى والآخرة.
كلمة شكر لكل الأهل والأصدقاء والزملاء الذين لم تتوقف ألسنتهم عن الدعاء لي من منطلق الحب والود، والشكر العميق لكل من أولى اهتماما بي يوميا، فكم كنتُ أسعد بهذه الاتصالات.
كلمة أخيرة في رحلة المرض والشفاء.. هي كلمة عتاب إلى كل من يهمه الأمر، فرغم علمي بحجم الضغوط الهائلة على القطاع الطبي، إلا أن المجتمع يعول عليهم باعتبارهم خط الدفاع الأول الآن، وفي تجربتي مع كورونا، من المؤسف أني لم أجد اهتماما، فلم أتلقَّ اتصالا واحدا من المركز الصحي لمتابعة حالتي، أو حتى رصد تطورات المرض معي، فضلا عن تأخر نتيجة فحصي نحو 6 أيام مرت عليّ كأنها ست سنوات، لكن يحدوني الأمل أن يتم مراجعة الإجراءات المتبعة، وهنا أقترح أن يتم الاستعانة بطلاب كليات الطب والصيدلة كمتطوعين، لمتابعة الحالات المصابة عبر الهاتف.. فكورونا أثبت لنا أن الصحة هي أغلى ما نملك.